يوميّات معلّمة في النّزوح
يوميّات معلّمة في النّزوح
2023/12/14
أسماء رمضان مصطفى | مُعلّمة لُغة إنجليزيّة- فلسطين

نزحت منذ شهرين إلى وسط قطاع غزّة لمدّة أسبوعين، ومن ثمّ إلى جنوب القطاع حتّى الآن في مدرسة إيواء تابعة للأونروا. هُنا بعد أن استقرّت إقامتي في غرفة المكتبة المدرسيّة، أسعدني كثيرًا توفّر مئات القصص القصيرة للأطفال، فخصّصتُ جزءًا من وقتي اليوميّ للأطفال النازحين في هذه المدرسة، تعويضًا لهم عمّا فاتهم داخل المنشآت التعليميّة، ولو بشيء بسيط، وتعليمهم ما ينفعهم قدر المستطاع، نظرًا إلى توقّف التعليم في قطاع غزّة بشكل كامل منذ السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023. 

وجدتها فرصة لملء فراغ الوقت العصيب الذي يعجّ بأصوات القصف الجويّ والمدفعيّ من حولنا، وصوت أخبار موت ودمار وشهداء وجرحى ومفقودين، وصراخ الأمّهات والأطفال يبكون بحرقة. حاولتُ أن أُخرِج الطفل بعيدًا عن الخوف والرعب والقصف والدمار والأخبار والفقد الموجع والآلام التي لا تنتهي، بغرض التخفيف عنه قدر المستطاع، ولو لوقت قصير من كلّ يوم. أردت أن أُبقي عَمَل عقل الطفل متّصلًا مع مهارات التفكير، من وعي وإدراك وفهم وتطبيق وتحليل وتركيب، من خلال القصّة التعليميّة المصوّرة الهادفة، وبعض الألعاب الترفيهيّة البسيطة.

 

لم أقبل التغيير الجذريّ في ما يتعلق بطبيعة الوضع التعليميّ، ما نعيشه هنا يندرج، بكلّ وضوح، تحت سياسة العدو المحتلّ في تجهيل أبناء غزّة، وإبعادهم كلّ البعد عن طريق العلم. وما أقوم به ليس إلّا محاولة متواضعة في رفض هذه السياسة، والإصرار على استكمال عمليّات التعليم بالتربية، ولو كانت بأقلّ الإمكانيّات وأبسط الاستراتيجيّات التعليميّة؛ رواية القصص يوميًّا. لم أتخيّل أن يتحوّل مكان عملي يومًا ما إلى مكان إقامتي وحياتي اليوميّة، مبيتًا وإيواءً.

يعزّ علينا كمعلّمين أن نعيش هذه الصورة، لكنّ ذلك لا يمنع أنّنا في الحقيقة نعيشها. عزائي أنّني ألتقي كلّ يوم بما يزيد عن 30 طفلًا في موعد محدّد، ما عدا يوم الجمعة: تجمعنا الساعة الثالثة بعد الظهر، نتفقد أحوال بعضنا البعض، أسرد القصة للأطفال، ونناقشها عبر حوار مبنيّ على أسئلة وإجابات. وتشجيعًا، من يجِب عن أسئلة النقاش والحوار، يحصل على هدية بسيطة، أخصّص 10 منها كلّ يوم لعشرة أطفال، يمكن أن تمسح على قلبهم، وتدخل إليهم الفرحة.

 

واجهت صعوبة في استيعاب أطفال المدرسة كافّة كلّ يوم، حيث يصعب استيعاب آلاف الأطفال في غرفة لا تتسع لأكثر من 50 فردًا. قمت بتحديد عدد المجموعات من الأطفال، بحيث لا يزيد عدد المجموعة عن 30 طفلًا، وقمت بتحديد الأطفال في مجموعات، إذ يحتوي كل طابق على 3 أجنحة، في كلّ جناح نجتمع يومين في الأسبوع للحكاية، بعض المجموعات شملت 25 طفلًا، وبعضها 30، وأكبر مجموعة فيها 42 طفلًا. وفي كلّ أسبوع، أنتقل إلى أطفال آخرين في طابق مختلف. تحتوي المدرسة على 4 طوابق وجناحين منفصلين في الطابق الأرضي، هنا ما يزيد على 1200 طفل أعمارهم تتراوح ما بين 5 سنوات إلى 13 سنة. واجهتني صعوبة أخرى تمثّلت بتعدّد المراحل العمريّة في الجلسة نفسها، ما رتّب صعوبة في اختيار القصة، وتحديد المحتوى بدقّة من أجل أن تناسب الجميع. دفعني هذا إلى قراءة القصص بدقّة مسبقًا قبل روايتها للأطفال من أجل اختيار الأسلوب التربويّ الذي يناسبهم ويجذبهم قدر المستطاع.

 

ما أسعدني فرحة الأطفال وذويهم، ولا سيّما أمّهاتهم، بالقصص والجوائز. وما زادني سعادة أنّ هذا الأسلوب شجّع الكثير من السيّدات، على الرغم من الألم ومرارة المعاناة، على حذو هذه المنهاج للتخفيف عن أطفالهنّ.

مؤمنة يقينًا بالله سبحانه وتعالى أنّ هذا الوقت سيمرّ، وسيخرج من بين هؤلاء الأطفال صلاح الدين، وسنعود قريبًا إلى ديارنا التي منها نزحنا. عزاؤنا أنّ غزّة تقدّم شهداء عند الله نحسبهم كذلك، ولا نزكّي على الله أحدًا.

 

الصور أدناه من جلسات القصص اليوميّة في مقرّ النزوح.

مدرسة الفخاري، جنوب قطاع غزّة، خان يونس 2023.

 

1

 

 

2

 

3

 

4

 

5

 

6

 

8

 

9

 

9

 

10

 

11

 

12

 

13

 

14