محاورة مع د. وحيد جبران حمد
محاورة مع د. وحيد جبران حمد

- عمل أكثر من ثلاثين عامًا في وكالة الغوث الدوليّة (الأونروا)، وكان آخر موقعين شغلهما فيها نائب المدير الإقليميّ لبرنامج التعليم بين 2006 - 2018، ومدير مركز التطوير التربويّ بين 1997 - 2006. وقاد عدّة برامج تربويّة وتدريبيّة أثناء عمله في وكالة الغوث الدوليّة.  

- يتمتّع بخبرة عمليّة طويلة في التدريس في المدارس ومعاهد إعداد وتأهيل المعلّمين والجامعات، وبخبرة في المواقع الإداريّة والقياديّة في وكالة الغوث الدوليّة ومؤسّسات المجتمع المدنيّ التربويّة.  

- يعدّ أحد المختصّين في مجال التعليم في حالات الطوارئ، ويشغل حاليًّا منصب منسّق مجموعة التعليم في الضفّة الغربيّة، والتي تنسّق التدخّلات التربويّة في حالات الطوارئ بين المؤسّسات التربويّة غير الحكوميّة، الوطنيّة منها والدوليّة، والمنظّمات الأمميّة، وهو أيضًا مركز الاتّصال للشبكة المشتركة لوكالات التعليم في حالات الطوارئ INEE، ومنسّق تعاونيّة التعليم في الطوارئ في الائتلاف التربويّ الفلسطينيّ.  

- يحمل شهادة البكالوريوس في الفيزياء وشهادة في التعليم من جامعة بيرزيت، وشهادة الماجستير في تعليم العلوم من جامعة بيرمنغهام في بريطانيا، وشهادة في التطوير الإداريّ من جامعة برادفورد في بريطانيا، والدكتوراه في القيادة التربويّة من جامعة أتلنتيك إنترناشونال.  

- يقدّم استشارات ودراسات تربويّة في مجالات التطوير التربويّ وجودة التعليم، والتطوير التربويّ والتعليم في حالات الطوارئ، وهو مدرّب مستشار معتمد من اتّحاد المدرّبين العرب والاتّحاد العالميّ للمدرّبين والمتحدّثين، ومقرّه الولايات المتّحدة الأمريكيّة.  

- مؤسّس جمعيّة المدرّبين الفلسطينيّين ورئيس مجلس إدارتها في الفترة بين 2016 - 2022، وخبير في التدريب وإعداد المدرّبين.  

- عضو في الهيئة الاستشاريّة لمنهجيّات، وفي الفريق الوطنيّ لتعليم الكبار في فلسطين، وكان عضوًا في الفريق الوطنيّ لمناهج الفيزياء والعلوم في الفترة بين 2000 – 2006.  

- نشر العديد من المقالات التربويّة في مجالات الفاقد التعلّميّ والتعلّم العاطفيّ الاجتماعيّ، وله العديد من المؤلّفات والمنشورات، منها كتاب "التعلّم النشط"، ودليل مرجعيّ في التدريب، ودليل "المدرّب الفعّال"، ودليل في التربية المدنيّة، وكتاب "أساليب تعليم العلوم" المقرّر في جامعة القدس المفتوحة، ودليل إرشاديّ في طرائق التدريس موجّه للمحاضرين الجامعيّين في مساقات النزاهة ومكافحة الفساد، وسيصدر له قريبًا كتاب بعنوان "برامج دعم تعلّم الطلبة في حالات الطوارئ".  

 

- كيف يعرّف وحيد جبران نفسه وبطريقته؟ 

شكرًا على هذه الفرصة التي تُتيح لي الحوار معكم، عبر منصّة مهمّة مثل مجلّة منهجيّات التي أعتزّ بها وأواكبها منذ انطلاقتها، بصفتي قارئًا لها وعضوًا في هيئتها الاستشاريّة. اسمي وحيد جبران، تربويّ منخرط ومنغمس في مجال التربية. أمتلك خبرة واسعة أعتزّ بها، إذ عملت في جميع مراحل التعليم: الابتدائيّة والمتوسّطة والثانويّة، كما درّست في كلّيّات المجتمع، وكلّيّات إعداد المعلّمين، وفي الجامعات. هذه التجربة الواسعة أغنت معرفتي، وجعلتني أكثر التصاقًا بالواقع، منطلقًا منه ومنخرطًا فيه. عندما أتحدّث في مجال التربية والتعليم، فإنّني أتحدّث من صُلب التجربة، ومن موقع الاطّلاع والحوار الدائم مع الواقع التربويّ. والحقيقة أنّ هذه التجربة تمنحني بُعدًا عمليًّا وتطبيقيًّا حين أتحاور مع المعلّمين، فيشعرون بالراحة، لأنّ من يُحدّثهم يفهم واقعهم وتحدّياتهم. 

بعد أن أنهيت عملي مع وكالة الغوث الدوليّة (الأونروا)، أصبح لديّ متّسع من الوقت للقراءة، ومواكبة المستجدّات التربويّة، والانخراط مع المجتمع التربويّ والمجتمع المدنيّ. أحبّ القراءة، وهي عادة يوميّة تمثّل بالنسبة إليّ نافذة مفتوحة. ونظرتي إلى الحياة تفاؤليّة في الأساس، تتعرّض أحيانًا إلى بعض لحظات التشاؤم، لكنّني أحاول الحفاظ على الأمل والنظرة الإيجابيّة، خصوصًا في مجال التربية. علاقاتي قائمة على الاحترام المتبادل الذي أعتبره سرّ التعامل مع الناس؛ وهو ليس احترامًا للشخص فقط، بل هو احترام للمشاعر والفكر والنوع الاجتماعيّ والعادات وغير ذلك. 

أنا حاصل على درجة البكالوريوس في تخصّص الفيزياء من جامعة بيرزيت، والماجستير في تعليم العلوم من جامعة برمنغهام في بريطانيا، والدكتوراه في القيادة التربويّة من جامعة أتلنتيك إنترناشونال. ومن مواطن القوّة التي أتمتّع بها، قدرتي على الجمع بين أكثر من نظام: النظام العلميّ نتيجة دراسة العلوم والفيزياء، والنظام التربويّ نتيجة دراسة تعليم العلوم والقيادة التربويّة. وقد انعكس ذلك على اهتمامي بالتدريس داخل الصفّ، إذ كانت بدايتي في تعليم الصفّ الأوّل الابتدائيّ في مدارس مخيّم الوحدات. 

 

- كان تركيزك الأوّل تدريس العلوم، فما انطباعاتك من فترة التعليم المباشر؟ وكيف أثّر ذلك في نقلك إلى مجال تطوير تعليم العلوم في فلسطين، ومجال تطوير التعليم والتدريب بشكل عامّ؟ 

التعليم المباشر داخل الصفّ فرصة ذهبيّة. فهذه الخبرة داخل الصفّ، ومعايشة العلاقات مع الأطفال والطلبة، واحترامهم، والاستماع إليهم، وإثارة اهتمامهم ودافعيّتهم، تمثّل مدخلًا حقيقيًّا للتعليم؛ إذ لا يُختزل في مجرّد معرفة تُلقَّن، أو مجموعة من المحتويات داخل الكتب. إنّ ممارسة الأساليب المناسبة لتشجيع الطلبة وتحفيزهم على التعلّم، وفهم طبيعة الصفّ والعلاقات فيه والمادّة الدراسيّة، أمور في غاية الأهمّيّة. وقد جعلني هذا السبق إلى الممارسة مطبّقًا لكثير من النظريّات من دون أن أكون واعيًا بها. على سبيل المثال، اكتشفت أنّني كنت أُطبّق التعلّم العاطفيّ الاجتماعيّ أثناء تدريسي، قبل أن أتعرّف إلى هذا المفهوم ومبادئه ومهاراته. أقول دائمًا إنّ من يُحبّ التعليم ويؤمن به، فإنّ مثل هذه الممارسات تخرج معه بعفويّة، بما في ذلك إدارة الصفّ، ومواجهة الطلبة، وتفهّم همومهم ومشاكلهم. 

ساعدتني تجربتي في التدريس كثيرًا عندما شاركت في إعداد مناهج العلوم والفيزياء الفلسطينيّة وتطويرها في جولتها الأولى. وقد أعانتني هذه التجربة أيضًا على توطين المعرفة انطلاقًا ممّا يجري داخل الصفّ، وهو ما يُعدّ جوهريًّا في نظري. ويحضرني اليوم تدريسي لمادّة الفيزياء في جامعة بيرزيت، وكذلك في إحدى المدارس الثانويّة الخاصّة في رام اللّه، إذ درّستها بأسلوب تفاعليّ مشوّق. وقد كانت نقطة القوّة لديّ في هذا السياق تبسيط المادّة ودمجها بأسلوبيّة محبّبة للطلبة. 

 

- هل تعتبر أنّ التعليم يحتاج إلى سليقة المعلّم؟ وماذا لو لم يملك المعلّم هذه السليقة، هل إن درّبناه سيصبح معلّمًا؟ 

الحقيقة أنّ الأساس هو السليقة، لأنّها تجعل المعلّم يترك أثرًا في نفوس الطلبة ويشوّقهم ويثير دافعيّتهم. وإذا غابت هذه السليقة، كما يحدث عندما يتّجه كثير من الطلّاب إلى كلّيّات التربية وهم مجبرون، ومن منطلق أنّها الخيار الوحيد، فإنّ اتّجاهاتهم ونظرتهم إلى مهنة التعليم كثيرًا ما تكون سلبيّة.ّ المعلّم، مهما جمّع من شهادات، لن يتمكّن من العطاء المتميّز والمتفاعل إذا لم يكن التعليم شغفه ورسالته. وبطبيعة الحال، إن جمعنا بين السليقة والمعرفة والأساس النظريّ، سيكون ذلك أفضل. 

أستذكرُ مثالًا من تجربتي في تعليم الفيزياء للصفوف الثانويّة، وكان ذلك قبل أن أبدأ بالتعمّق في نظريّات التربية وتطبيقاتها. فقد طوّرت مع طلبتي استراتيجيّة أطلقتُ عليها "استراتيجيّة التشاور الجانبيّ الجادّ والهادف"، والتي تركّز على حواريّة دائريّة بين الطلّاب تساعدهم في تحليل المسائل، والتشاور في استراتيجيّة حلّها وخطواته المرحليّة، ومن ثمّ تبسيطها إلى خطوات واستراتيجيّات واضحة. ويحضرني أيضًا مثال عن أستاذ لي في الجامعة، كان عبقريًّا بالفعل، ولكن داخل صندوقه الخاصّ؛ إذ كان يحلّ المسائل ببراعة لافتة، ولكن من دون أن يفهم الطلّاب شيئًا!  برأيي، لا يحتاج التعليم عباقرة، فالعبقريّ إذا صار معلّمًا يظلم نفسه والطلبة على حدّ سواء.  

 

- في السياق ذاته، إن كانت لديك قائمة معايير لطلبة كلّيّات التربية، ماذا ستضمّ؟ 

الرغبة أوّلًا. ولكن، إن أردت البناء على التجربة، فأنا شخصيًّا لم أكن أتصوّر أن أدخل مجال التعليم. كنت أفكّر في التخصّص في الطبّ، لكنّ التعليم هو المجال الذي أتيح لي. وعندما التحقت بدار المعلّمين في رام اللّه، تأقلمت سريعًا مع الوضع في الكلّيّة، وانطلقت في رحلة التعليم والتجريب وتميّزت. بالمناسبة، حتّى لو لم تكن الرغبة موجودة منذ البداية، على الإنسان أن يخلقها من أجل التكيّف والاندماج والبناء. وهذه النقاط الأخيرة، في الواقع، من ضمن قائمة المعايير: التكيّف والاندماج. 

أودّ هنا أن أضيف معيارًا آخر، يتعلّق بضرورة نضج النظرة إلى الطلبة؛ إذ يجب أن تنطلق من حقّهم في التعليم، وأن يدرك المعلّم بأنّ عليه تيسير هذه العمليّة لا تعقيدها. وأذكر موقفًا عندما كنت في زيارة تربويّة إلى إحدى المدارس بصفتي مسؤولًا، وقال لي أحد المعلّمين: "عندما منعتم الضرب في المدارس، لم يعُد الطلّاب يخافون من المعلّم". وهذه ملاحظة مهمّة في هذا السياق، تُبرز الفرق الجوهريّ بين الخوف والاحترام؛ فالطفل عندما يشعر بالقلق أو الخوف، تتأثّر قدرته على التعلّم تأثّرًا مباشرًا. ومن هنا، أجرينا حوارًا موسّعًا حول ضرورة تعزيز احترام المعلّم، لا الخوف منه. 

 

- لك اهتمام خاصّ بمفهوم التعلّم النشط، فما الذي يحقّقه هذا التعلّم برأيك؟ وكيف يمكن تبنّيه على مستوى المؤسّسات وصانعي السياسات؟ 

سأجيب عن السؤال الثاني قبل الأوّل: نعم، يمكن تبنّي التعلّم النشط، لأنّ جعل الطالب محورًا في عمليّة التعلّم يسهم بشكل واضح في نجاح المعلّم والمؤسّسة؛ إذ يعزّز انخراط الطلبة والمعلّمين في بيئات تعلّم حيويّة ونشطة، تساعد جميع أطراف العمليّة التعليميّة في تحقيق أهداف متعدّدة، وتمنحهم شعورًا بسعادة الإنجاز، شرط ألّا تُقطع عمليّة التطبيق في منتصف الطريق ويُحكم عليها بالفشل. من هنا، فإنّ التعلّم النشط يحتاج إلى صبر ومثابرة وتجريب مستمرّ يستند إلى أسس تربويّة سليمة، إلى جانب تبصير المتعلّمين وتوعيتهم. فالتعلّم النشط موجّه بالأساس إلى المتعلّم الذي يتمتّع بطبيعة نشطة وحيويّة ومليئة بالطاقة، وعلى المعلّم أن يكون ميسّرًا للتعلّم، يطلق العنان لهذه الإمكانات والطاقات، لا أن يقمعها. 

وتعريف التعلّم النشط هو أن يكون المتعلّم في حالة تعلّم نشطة، يمارس فيها العديد من المهامّ التعلّميّة. ما الذي نلاحظه عند الدخول إلى بيئة تعلّم نشط؟ نلاحظ متعلّمين مشاركين، يعملون ضمن فرق، مبادرين ومتسائلين ومجرّبين ونشيطين. ويمكن ببساطة التمييز بين بيئة التعلّم النشط وغير النشط من ملامح الصفّ، وطاقة كلّ من المعلّم والمتعلّم، وكذلك من الوقت الذي يستغرقه المعلّم في الشرح، مقابل الوقت الذي يُمنَح للمتعلّم ليتفاعل ويسأل ويحاور. وهنا تجدر الإشارة إلى ضرورة التفريق بين "التعليم النشط" و"التعلّم النشط"؛ فغايتنا التعلّم النشط الذي يكون محوره متعلّم متفاعل وإيجابيّ ويقظ، لا التعليم النشط الذي يتمحور حول معلّم نشيط يقضي جلّ وقت الحصّة في الشرح والتلقين وتوجيه التعليمات. 

 

- هل يُمكن للمعلّم أن يُطبّق التعلّم النشط من دون أن يكون توجّهًا من الإدارة؟ 

نعم، يمكن للمعلّم المبادر والمستنير والمقبل على التعليم أن يُطبّق التعلّم النشط، حتّى من دون أن يكون ذلك توجّهًا رسميًّا من الإدارة المدرسيّة. لكن في كثير من الأحيان، يكون هذا المعلّم وحيدًا في مسعاه، ولا يلقى دعمًا أو تشجيعًا من الإدارة أو من زملائه. لذلك، يُفضّل، بطبيعة الحال، أن يكون التعلّم النشط جزءًا من سياسة أو توجّه معتمد على مستوى الوزارة أو المدرسة. ومن المهمّ في هذا السياق التمييز بين التفاعل والفوضى؛ فلا شكّ أنّ الحديث والتفاعل والحركة والتشاور تقع ضمن إطار مقبول ومعقول، لأنّ الغاية من الحديث تتمثّل في الحوار لا الضجيج، والغاية من الحركة تتمثّل في التحرّر الجسديّ من الجمود لا إثارة الفوضى. وهنا، من الضروريّ أن يضع المعلّم في بداية العام الدراسيّ أُطرًا واضحة مع طلّابه لتأسيس بيئة تعلّم نشط، بحيث تصبح هذه البيئة مألوفة واعتياديّة لهم، لا شيئًا استثنائيًّا أو خارجًا عن المألوف.  

وحقيقة الأمر، قد يواجه المعلّم بعض الانتقادات من الإدارة، لا سيّما إن كانت تقليديّة أو كلاسيكيّة. لذلك، من المهمّ أن يُهيّئ المعلّم الإدارة لما يتطلّبه هذا النوع من التعلّم، وأن يُدرجه ضمن خطّته وفلسفته التربويّة، ويكون مستعدًّا لتوضيح رؤيته التربويّة وتوجيهاته التعليميّة، والدفاع عنها في حال تعرّضه إلى انتقاد سلبيّ أو استخفاف بما يقوم به. 

وخلاصة القول، من الجيّد أن تكون هناك سياسة داعمة للتعلّم النشط على مستوى كلّ من الوزارة والمدرسة، وأن تتوفّر مجموعة من المعلّمين الذين يؤمنون بأهمّيّته، فيدعم بعضهم بعضًا، ويسهمون في ترسيخ هذه الثقافة. ومن الضروريّ الانتباه لعدم وقوع المعلّم في الإحباط، بل لا بدّ من تشجيعه وتحفيزه على تطبيق رؤيته بفتح المساحة أمامه، تجنّبًا لأن يقوده الإحباط إلى العودة إلى نمط التعليم البنكيّ والتلقينيّ. 

 

- كان معظم نشاطك في قضايا التعليم في فلسطين، فما الذي يميّز التعليم في فلسطين بفعل ظروفها الخاصّة، على مستوى فعل التعليم وبقائه، وأهدافه، واستراتيجيّاته؟ 

الحقيقة أنّ هناك جوانب إيجابيّة وأخرى تنطوي على تحدّيات. فمن الجوانب المُضيئة، أنّ التعليم في فلسطين لا يزال يحظى باهتمام كبير من الأهل، وعلى رغم ملاحظة بعض التراجع. إلّا أنّ هذا الاهتمام يبقى واضحًا ومهمًّا. كما أنّ وجود وزارة يقظة تتابع عن كثب، يشكّل عنصرًا داعمًا، إلى جانب ما يتفتّح من آفاق وفرص. ويتمتّع الناس بقدرة ملحوظة على التمييز بين المتعلّم وغير المتعلّم من حيث إسهامه في تطوير ذاته وتنمية مجتمعه. ومن المهمّ الإشارة إلى أنّ التعليم في فلسطين يمثّل أداة للمقاومة والصمود والتحرّر، وهو ما لا يريده العدوّ الإسرائيليّ الذي يسعى جاهدًا لترسيخ صورة بدائيّة عن الفلسطينيّ، والعمل على فرضها باعتبارها واقعًا. كما يسعى لتفريغ المناهج والمؤسّسات التعليميّة من مضامينها الإيجابيّة، لتغدو شكليّة وخالية من الأثر العميق في المتعلّم على المدى البعيد. 

أودّ الإشارة إلى نقطة مُلهمة بالفعل، وهي أنّ الناس ما تزال متمسّكة بالتعليم حتّى في أحلك الظروف. ولنأخذ غزّة الجريحة مثالًا ساطعًا في هذا السياق. ففي خضمّ الإبادة الجماعيّة والمعرفيّة والتعليميّة، وفي ظلّ قصف المدارس وكلّ ما يمتّ للتعليم بصلة، وعلى الرغم من فقدان الطلّاب حقوقهم الأساسيّة، كان الإقبال على المدرسة الافتراضيّة التي أتاحتها الوزارة لافتًا ومؤثّرًا. فالطلبة الذين يُسلبون حقّهم في كلّ شيء، واصلوا حرصهم الشديد على المطالبة بحقّهم في التعلّم. وهذه نقطة بالغة الأهمّيّة: فالطالب الفلسطينيّ لا يفقد اهتمامه وشغفه بالتعلّم، حتّى حين يتأخّر النظام التعليميّ عن مواكبته والاستجابة لحاجاته. 

يجدر الحديث عن أنّ الطالب الفلسطينيّ، على الرغم من كلّ ما يحمله التعليم من معانٍ، إلّا أنّه كأيّ طالب يتعلّم أيضًا من أجل فتح الآفاق والتطوّر المهنيّ والحصول على فرص أفضل في المستقبل. وهنا، لا بدّ من الاستفادة من هذه النقاط الإيجابيّة التي يمتاز بها واقع التعليم في فلسطين، وتوظيفها في صلب العمليّة التعليميّة. فطالما أنّ الدافعيّة ما تزال حاضرة علينا أن نواكبها، وفي الوقت نفسه أن ننتبه إلى السلبيّات، إذ ما يزال التعليم في مجمله تلقينيًّا وتقليديًّا، ومن الضروريّ ممارسة نقد ذاتيّ صريح من أجل تطوير الممارسات، وخلق بيئة تعلّم أكثر حيويّة وفاعليّة. 

إذًا، يتميّز التعليم في فلسطين بكونه أداة للصمود والمقاومة والتحرّر، وأداة للتوعية والتمكين على مستوى الفرد والمجتمع على حدّ سواء. ومن هذا المنطلق، يتعرّض التعليم الفلسطينيّ إلى ضغوطات متواصلة على يد الاحتلال ومناصريه من الدول المانحة، في محاولات لتشويه المناهج، ودفع الطلبة نحو التسرّب، وإحباط المعلّمين بحرمانهم من رواتبهم. من هنا، علينا نحن الفلسطينيّين أن نعي خطورة هذه الضغوط والابتزازات السياسيّة والماليّة، وألّا نرضخ لها. كما يجدر بنا أن ندرك الدور المحوريّ الذي يؤدّيه المنهج الخفيّ إلى جانب المنهج الرسميّ، في ترسيخ الاعتزاز بالهويّة الوطنيّة، وتعزيز التمسّك بالحقوق الشخصيّة والجماعيّة للمتعلّمين. 

 

- ذكرت مسألة المنهج الخفيّ، والذي بدأ ممارسة مقاومة. اليوم، وقد اختلفت أجيال المعلّمين والطلبة، هل ما يزال المعلّم يحمل مسؤوليّة المنهج الخفيّ؟ وهل ما يزال يحمل التوجّه ذاته؟ 

أودّ التأكيد على أنّنا نرفض أيّ تدخّلات أو إملاءات خارجيّة لتغيير المناهج، فهو شأن سياديّ وقرار وطنيّ، ويجري تعديلها ضمن هذا الإطار، وعندما تستدعي الحاجة. كما ينبغي ألّا نُغفل الدور المهمّ للمنهج الخفيّ في تعزيز الصمود وتغذية روح المقاومة؛ فهذا المنهج يُمثّل بارقة أمل في أنّ مضامين المقاومة والصمود ستظلّ حيّة في الحوارات اليوميّة، حتّى إن لم تكن مخطّطة. كذلك، علينا أن ننتبه إلى أنّ المنهج الخفيّ لا يتشكّل داخل المدرسة فقط، بل يتكوّن أيضًا خارجها، في النوادي والملتقيات، ومن السرديّات الفلسطينيّة، والمشاهد الوطنيّة، والممارسات التربويّة ذات الطابع المقاوم. 

 

- عملت فترة طويلة في وكالة الغوث الدوليّة (الأونروا) في فلسطين، كيف تقيّم هذه التجربة على مستوى عمل الوكالة، وعلى مستوى اتّخاذ القرارات محلّيًّا؟ 

أرى أنّ وكالة الغوث أُنشئت في الأصل لأغراض إغاثيّة وتموينيّة، غير أنّها طوّرت لاحقًا برنامجًا تعليميًّا أخذ بالنموّ ومواكبة مستجدّات التربية، لا سيّما بعد ارتباطها باليونسكو. ومن هنا، تشكّلت تجربة تعليميّة مهمّة في فلسطين، تركت أثرًا واضحًا في الأجيال المختلفة. أمّا تجربتي الشخصيّة طالبًا في مدارس الوكالة وكلّيّة إعداد المعلّمين، ثمّ معلّمًا ومسؤولًا في إدارة التعليم، فكانت غنيّة ومُلهمة على المستويات المهنيّة والمعرفيّة والتربويّة، إذ كانت الوكالة تطرح برامج تطوير شاملة للمعلّمين والمديرين والمشرفين التربويّين. وفي السنوات الأخيرة، تطوّرت هذه البرامج لتشمل تدريب مديري المدارس على القيادة من أجل المستقبل، والتوجّه نحو تدريب المعلّمين المستند إلى المدرسة، فضلًا عن برامج التعليم الجامع، والتقويم الأصيل القائم على التفاعل والمشاركة الفاعلة للمتعلّم. وواقع الأمر أنّ العاملين في مدارس الوكالة كانوا يتميّزون بخبرات عالية، ومعرفة واسعة، ومهارات متميّزة في الممارسة، وكذلك طلّابهم. 

غير أنّ التحدّيات الراهنة أمام وكالة الغوث كبيرة، والقيود المفروضة عليها شديدة. فقد أقدمت سلطات الاحتلال مؤخّرًا على إغلاق ستّ مدارس في القدس الشرقيّة، بحجّة عدم الترخيص، وهي حجّة واهية في حقيقتها، إذ أنّ الاستهداف الحقيقيّ يعود إلى كون الوكالة شاهدًا حيًّا على القضيّة الفلسطينيّة. ويمكننا أن نلاحظ اليوم أنّ الاستهداف لا يقتصر على مدارس القدس، بل يمتدّ إلى المخيّمات، لا سيّما في شمال الضفّة الغربيّة، حيث شُلّت مدارس في مخيّمات جنين وطولكرم ونور شمس. ومن الواضح أنّ التعليم في مدارس وكالة الغوث بات هدفًا مباشرًا. وهنا، أودّ التنبيه إلى أمر في غاية الأهمّيّة: إنّ ما تقدّمه وكالة الغوث من تعليم ليس مجرّد خدمة يمكن لأيّ جهة أُخرى أن تحلّ مكانها فيها؛ بل إنّ دورها ورسالتها يتجاوزان البُعد الخدميّ، فهي تمثّل شاهدًا حيًّا على قضيّة اللاجئين، وعلى استمرار معاناتهم وتهجيرهم القسريّ، وحلمهم بالعودة. 

أمّا في القدس، فالوضع أكثر تعقيدًا وخطورة. فالضغوط متعدّدة الجوانب: ماليّة، وعمرانيّة تتعلّق بمنع البناء والتوسّع، والتضييق على منح التراخيص، إلى جانب هجمة شرسة مستمرّة على المناهج. إذ يُرهن القبول أحيانًا بفرض مناهج مشوّهة مدعومة بمصادر تمويل خبيثة، بينما تُهدّد المدارس الرافضة بالإغلاق تحت ذرائع واهية. بالفعل، تعيش مدارس القدس حالة تحدّ هائل، والتعليم فيها يواجه ضغوطًا جسيمة على المستويات الماليّة والسياسيّة والتربويّة، في ظلّ سياسات تهجير وتسريب متعمّدة تستهدف الطلّاب أنفسهم. 

 

- لك باع كبير في تدريب المعلّمين عمليًّا ونظريًّا، فبرأيك هل تحقّق تقييم أثر التدريب على مستوى الوزارات والمؤسّسات الرديفة؟ وهل هناك خيط ناظم يصل بهذه التدريبات إلى تطوير بنيويّ في تحقيق التعلّم؟ 

أعتقد أنّ هذا السؤال مهمّ للغاية في توصيف مشكلة التدريب. أنا أقول دائمًا إنّه من الضروريّ أن تكون هناك برامج تدريب وتطوير مهنيّ على مستويات الوزارات والمدارس، فهذا يُطوّر من ممارساتهم وينعكس إيجابًا على أدائهم بطبيعة الحال. ولكن، في فلسطين مثلًا، هل يحقّق التدريب الأثر المرجوّ منه؟ باعتقادي لا، وأحد الأسباب لذلك أنّ المؤسّسات تغفل عن مسألة مهمّة، وهي متابعة التدريب ومتابعة المتدرّبين بعد انتهاء التدريب. كذلك، فإنّ التقييم في البرامج التدريبيّة غالبًا ما يقتصر على الرضا، وهو المستوى الأدنى من التقييم، مثل الرضا عن المدرب والمادّة التدريبيّة وقاعة التدريب، وليس على التغيير الذي يفترض أن يحدثه التدريب. إذًا، مسألة تقييم التدريب من المفترض أن تكون أعمق وأوضح وأشمل، لنحصل على نتائج دقيقة تعكس أثر التدريب. كما أنّ عمليّة التقييم يجب أن تتمّ بالشراكة مع المتدرّب الذي عليه أن يؤدّي دورًا إيجابيًّا في تقييم التدريب، فهذه التغذية الراجعة مهمّة جدًّا في تحسين نوعيّة التدريب والمدرّبين. وهناك نقطة إضافيّة تتعلّق بعدد كبير من المدرّبين؛ فبعضهم مدرّب حقيقيّ وملهم ويستطيع إحداث تغيير، وبعضهم لا يستطيع إحداث أيّ أثر جوهريّ. 

أمّا عن كيف وصلنا إلى هذه الحالة، فهناك أسباب عديدة، منها المموّلون، وخصوصًا الدوليّون، فبعضهم غير معنيّ بأن يُحدث التدريب أيّ أثر جوهريّ على النحو الذي نعنيه نحن. إضافة إلى عدم تصميم البرامج التدريبيّة في ضوء الاحتياجات الحقيقيّة؛ إذ علينا نحن أن ندرس حاجة المجتمع، لا أن نتماشى مع سياسات التمويل. 

هذا التشخيص مهمّ من أجل معالجة المشكلة؛ فإن كانت شروط التمويل مُجحفة علينا أن نستغني عنها. وإن كان التدريب لا ينبع من احتياج حقيقيّ فعلينا ألّا نعقده. وإن كان المدرّب بلا سجلّ حقيقيّ ومؤهّل للتأثير، فعلينا أن نبحث عمّن هو مؤهّل فعلًا. وإن كان المتدرّب غير معنيّ، فعلينا أن نتّجه إلى من هو معنيّ فعلًا. هذا كلّه إلى جانب أهمّيّة متابعة التدريب وتطويره مستقبلًا، والاستفادة من الدروس والبيانات. إذًا، هي مجموعة من الممارسات النقديّة التي قد تجعل واقع التدريبات أفضل، خصوصًا وأنّ التدريب والتطوير المهنيّ مطلوب ومهمّ، ولكن الأهمّ أن تنعكس هذه التدريبات على سياسات المؤسّسات، ليشعر المتدرّب بالأثر واقعًا وتطويرًا حقيقيًّا في أدائه وممارسته. 

 

- نعلم أنّك من المهتمّين بالتعليم في حالات الطوارئ، وأنّك تعمل على كتاب جديد حول الموضوع، فما الأهداف المبتغاة من هذا التعليم برأيك؟ وهل تعبير حالات الطوارئ مفتوح زمنيًّا؟ وما تصوّراتك لشكل التعليم في غزّة اليوم؟ 

سأبدأ من الجزئيّة الثانية؛ فالطوارئ تعني أزمة كبيرة، قد تكون إنسانيّة أو طبيعيّة أو سياسيّة أو عسكريّة. ومن المفترض، عند توفّر سياسات استجابة للطوارئ، ألّا تطول الأزمة، لكنها كثيرًا ما تطول على أرض الواقع نظرًا إلى عوامل مختلفة. فمثلًا، ماذا عن حالة الطوارئ في ظلّ وجود احتلال ممتدّ كما هو الحال في فلسطين؟ هذه حالة طوارئ مركّبة ومعقّدة على أصعدة مختلفة، امتدّت لسنوات، ولا نعرف متى ستنتهي. 

أمّا التعليم في حالات الطوارئ، فله ثلاث مراحل: ما قبل الطوارئ من حيث الاستعداد والتأهّب، وأثناء الطوارئ من حيث الاستجابة، وما بعد الطوارئ من حيث التعافي. المرحلة الأولى هي التأهّب أو الجهوزيّة. وفي السياق الفلسطينيّ مثلًا، يمكننا أن نستنتج من ظروف اليوم أنّ الطوارئ ستمتدّ إلى العام الدراسيّ المقبل، فهل لدينا الجاهزيّة لذلك؟ وهل بدأنا بالتأهّب كي تكون استجابتنا مخطّطة وفعّالة ومرنة؟ تجدر الإشارة إلى أنّ الاستجابات في غياب خطّة تأهّب، تكون غالبًا عشوائيّة وارتجاليّة وغير منسّقة، وتؤدّي إلى تخبّط وتُطيل أمد الأزمة وأثرها. أمّا الاستجابة المستندة إلى خطّة، فتكون أكثر منهجيّة ووضوحًا وسرعة. بطبيعة الحال، ينبغي أن تكون خطط التأهّب والاستجابة مرنة وقابلة للتكيّف مع المتغيّرات. التعليم في حالات الطوارئ يحتاج إلى فريق مستمرّ ومواكب ومتابع، يُعدّ الخطط ضمن سيناريوهات مختلفة، ويهيّئها للتنفيذ، ويقيّم التجربة، ويستخلص الدروس، ويُحسّن جودة التعليم حتّى في أحلك الظروف. 

أمّا عن سؤال: لماذا نحتاج إلى التعليم في حالات الطوارئ؟ فببساطة لأنّ الحياة ستستمرّ. صحيح أنّ الأولويّة تكون لحياة الإنسان وصحّته ومسكنه، ولكن لا شكّ أنّ التعليم أيضًا حقّ وأولويّة، ومدخل لممارسة الحقوق الأخرى. التعليم أداة مهمّة في الأزمات، يجعل الحياة تحت الطوارئ أكثر أمانًا وتكيّفًا، ويسهم في الحماية من الأخطار، ويجعل التعافي أسهل بعد انتهاء الطوارئ. 

نقطة إضافيّة هنا: النظام الرسميّ قد يتأخّر أحيانًا في الاستجابة لحالات الطوارئ لأسباب مختلفة، وهنا يبرز دور المجتمع المدنيّ والمجتمعات المحلّيّة التي تقفز بسرعة إلى واجهة الاستجابة، وإن شاب تدخّلاتها الأولى بعض العشوائيّة والتنافسيّة. من هنا، تزداد أهمّيّة التخطيط للتعليم في حالات الطوارئ، من أجل تأهّب مستمرّ، وتعامل منهجيّ، وتوظيف لجميع الطاقات والموارد، ومن ثمّ الاستجابة على نحو منسّق وفعّال يقود إلى التعافي. 

وفي ما يخصّ التعليم في غزّة ضمن سياق الطوارئ، فعلينا التفكير جيّدًا في التعليم عن بُعد، وتوظيف التكنولوجيا بطريقة فعّالة، لأنّه الملاذ الوحيد المتاح. أعلم أنّ الواقع عصيب، ولكن بالرغم من استحالة الوضع في غزّة، فعلينا أن نبحث عن أيّ فسحة أمل لنقوم بخطوة ما. في هذا السياق، لا بدّ من التفكير بحزمة بدائل متنوّعة ومختلفة، لاستغلال أيّ فرصة من أجل تعليم الطلبة. علينا أن نولي قضيّة طلبة التوجيهيّ اهتمامًا خاصًّا، وأن نُخضع تجربة المدرسة الافتراضيّة للتقييم، لاستخلاص الدروس وتطويرها. 

أخيرًا، هناك جهات مختصّة في التعليم في حالات الطوارئ، وتمتلك موارد غنيّة ومتنوّعة، مثل الشبكة المشتركة للتعليم في حالات الطوارئ (INEE). من المهمّ أن نستفيد من هذه الشبكات ومواردها، فهي تختصر علينا الطريق، ويمكن أن تسهم في تقديم حلول عمليّة كثيرة. 

 

- ماذا تقترح على الوزارة بخصوص طلبة التوجيهيّ في غزّة؟ 

أوّلًا، أقترح تعزيز مرونة النظام التعليميّ، ومضاعفة الجهود المتعلّقة بالجاهزيّة والاستعداد لعقد امتحان التوجيهيّ متى سنحت الفرصة للطلبة الجدد. أمّا بالنسبة إلى طلبة السنوات السابقة، فطالما الواقع في غاية الصعوبة، يمكن اعتماد آليّة بديلة تقوم على احتساب معدّل الطالب استنادًا إلى علاماته في الصفّين العاشر والحادي عشر، تُبنى عليها علامته النهائيّة في التوجيهيّ، بالتنسيق مع الجامعات المحلّيّة والعربيّة والدوليّة للاعتراف بهذه الآليّة. وإن رغبت بعض الجامعات بإجراء اختبارات قبول خاصّة، فلا مانع من ذلك. هذا الاقتراح يُقدّم بديلًا عمليًّا ومنطقيًّا، ويمنح الطلبة بعض الطمأنينة تجاه مستقبلهم الأكاديميّ. 

 

- هل تشهد الضفّة الغربيّة تأهّبًا لدى السلطات المعنيّة من أجل التعامل مع التعليم في العام الدراسيّ المُقبل؟ وبرأيك، ما الأهداف المهمّة للتربويّين في غزّة من أجل التعليم في حالات الطوارئ؟ 

في الضفّة الغربيّة شكّلنا مجموعة التعليم (Education cluster)، والتي تضمّ مؤسّسات تربويّة غير حكوميّة وطنيّة ودوليّة، إلى جانب وكالات أمميّة. وهي تعنى بتنسيق تدخّلات الاستجابة في حالات الطوارئ وتنظيمها، وأنا أعمل منسّقًا لها. نعمل حاليًّا، تحت قيادة وزارة التربية والتعليم وبمشاركة عدد من المؤسّسات الأعضاء، على إعداد خطّة تأهّب للطوارئ المتوقّعة في العام الدراسيّ المقبل، انطلاقًا من دراسة سيناريوهات مختلفة. كما نعمل على خطّة ثانية تهدف إلى تطوير الاستجابة في شمال الضفّة الغربيّة، وثالثة تُركّز على معالجة الفاقد التعليميّ والحدّ من آثاره وامتداداته ومضاعفاته. 

 

- لو انتقلنا إلى التعليم العربيّ بالإجمال، كيف تصف وضعه؟ وما مقترحاتك لدفعه قدمًا؟ 

ثمّة تفاوت كبير في مستوى التعليم في العالم العربيّ، ومن الصعب وضع جميع الدول في إطار واحد. فهناك دول تمتلك قدرات تمكّنها من استقطاب الخبرات الدوليّة، وتحقيق التطوير. هنا تبرز أهمّيّة القياس، وضرورة تقييم التقدّم من فترة إلى أخرى باستخدام أدوات مثل الاختبارات الدوليّة. في المقابل، هناك دول تواجه أوضاعًا صعبة وأزمات قاسية، تجعل من تطوير التعليم تحدّيًا كبيرًا. والحقيقة أنّ هناك أزمة ثقة في المجتمعات العربيّة في ما يخصّ التعليم، إذ يسود منطق اللوم المتبادل، حيث يُحمّل كلّ طرف الآخر مسؤوليّة التراجع، ما يُنتج حالة من التهرّب الجماعيّ من المسؤوليّة. المطلوب بناء ثقة متبادلة وإحياء الأمل، فالمضيّ في مسلسل اللوم لا يُفضي إلى تغيير، ولا يُعفي أحدًا من المسؤوليّة. 

بشكل عامّ، ما يزال التعليم في العالم العربيّ قائمًا على التلقين، ودافعيّة المعلّمين والطلبة متدنّية، ولا يُمكن توقّع الكثير من معلّم يعاني دافعيّة سلبيّة. لذا، من الضروريّ أن يبدأ إعداد المعلّمين بتعزيز اتّجاهاتهم الإيجابيّة نحو مهنتهم وطلبتهم، ثمّ الانتقال إلى تطوير المهارات واكتساب المعارف. ومن جهة أخرى، لا بدّ من تطوير سياسات تربويّة داعمة للمعلّمين، تشمل تقديم الحوافز للمتميّزين منهم، وضمان انتظام الرواتب، بما يعزّز صورتهم الإيجابيّة ودورهم المحوريّ في العمليّة التعليميّة. 

 

- بصفتك عضو الهيئة الاستشاريّة لمنهجيّات، ما الذي تراه قابلًا للتطوير في نتاجها؟ وما الأبواب التي تحبّ أن نتطرّق إليها؟ 

من مواكبتي لمنهجيّات، أرى أنّها متطوّرة ومنفتحة وتشاركيّة، وقاعدتها تكبر وتتوسّع بإيجابيّة، وهذه أسس ثبّتتها وساعدت في امتدادها. أحبّ أن أرى كيف تفكّر منهجيّات بإعلاء صوت الأطفال، وإدماجهم في نقاشاتنا، وتوفير مساحة لهم ومن أجلهم للمشاركة في الحوار. وأقترح تنظيم لقاءات تجمع بين أجيال مختلفة (أطفال وشباب وكبار)، وتتناول موضوعات تربويّة تهمّ الجميع. كما أضيف صوتي إلى الدعوة من أجل تخصيص ملفّ عدد حول التوجّه إلى توظيف الذكاء الاصطناعيّ وتطبيقاته وتحدّياته في التعليم، وتنظيم سلسلة ندوات وأفلام توعويّة حول هذا التوجّه، لأنّ التكنولوجيا إن أُحسن توظيفها، ستُقدّم حلولًا سحريّة في التعليم، وستوفّر مصادر للمعلّم والمتعلّم، مع مراعاة الفوارق الفرديّة، وغيرها ممّا يسهم في نهضة التعليم في المجتمع العربيّ.