على من تقع المسؤوليّة؟
على من تقع المسؤوليّة؟

غالبًا ما نأخذ على المدرسة دورها المغيَّب في المساهمة في الإصلاح المجتمعيّ والتنمية الاقتصاديّة والتطور العلميّ، باعتبارها مؤسّسة تُعنى بالتطوّر الفكريّ والمعرفي،ّ وننتقد غياب الأهداف الاستراتيجيّة التي توجّه أداءها، وكذلك إعادة إنتاجها للنظام الاجتماعيّ السائد، ونتوقع منها حلولًا جذريّة لأزمات التعليم والمتعلّمين. وهكذا، نلقي بالمسؤوليّة كاملة على كاهلها وكأنّها عالم مستقلّ بذاته، غير خاضعة لعوامل وتجاذبات سياسيّة وفكريّة، وقادرة على تحييد الآثار الناتجة عن غياب المساواة الاجتماعيّة بين الأفراد والجماعات، والمضيّ قدمًا بمشروعها التطويريّ.

 

فإذا سلّمنا بالقول إنّ المدرسة هي مؤسّسة اجتماعيّة، فهذا يعني أنّ هذه المؤسّسة قابلة كغيرها من المؤسّسات للدخول في عمليّة تطوير جذريّة تطال هيكليّتها وأسسها وأدواتها ورؤيتها وقيمها، ما يؤدي حتمًا إلى تحوّل في مسار إنتاجها الفكريّ والمعرفيّ والثقافيّ. وهذا التحوّل الذي لم يصدف أن شهدناه بعد في التاريخ الحديث، أو لم تصلنا بعد أيّة إشارات إيجابيّة على بداياته، لا يمكن إلّا بعد دراسة تحليليّة وواقعيّة للمشاكل التي تعاني منها المدرسة، ولأسباب قصورها، وتأثير العوامل الخارجيّة على دورها البنيويّ.

 

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، سيكون من المجدي توجيه السؤال التالي: على من تقع مسؤوليّة التعثّر في المنظومة التعليميّة ككلّ، وفي منتج عمليتي التعليم والتعلّم بصورة خاصّة؟ والمنتج هنا لا نقصد به نتائج الطالب، بل قيمه، ومهاراته، وقواعد السلوك، والمواطنة، والانتماء، والحريّة، والمسؤوليّة، والانفتاح، والوعي، والتغيير.. إلخ. وليس الطالب فحسب، بل المعلّم وكلّ من هو شريك في هذه المؤسسة. فإذا انطلقنا من فرضيّة أن المسؤوليّة مشتركة بين المدرسة وكلّ مَن يمثّلها في الداخل، وبين إطارها الخارجيّ أي المجتمع بكلّ عناصره، يصبح التحوّل الشكليّ في دورها مجرّد إمعان في تثبيت وتعميق ما يمكن تسميته بالفوضى المنظّمة التي تحكم النظام التعليميّ في العالم العربيّ. ويترتّب أيضًا على هذه الفرضية أن ندخل، على الأقل، مرحلة الوعي المسؤول والنقديّ تجاه أزمة التعليم للبدء بإنتاج أدوات مختلفة ومتنوّعة تحرّك حالة الركود. فمثلًا، لماذا لا نستغلّ جائحة كورونا لإطلاق حوار نقديّ علميّ حول الأزمة البنيويّة للنظام التعليميّ، كلّ من مكانه وحسب طاقاته وإمكاناته؟ فإن كنّا لا نعرف بعد مدى تأثير الجائحة على عمليّة التعليم، فإنّنا على يقين أنّه حتى لو كانت الدلائل المباشرة غير إيجابيّة بالكامل، لن تعود المدرسة أبدًا كما كانت عليه من قبل، وكذلك المعلّمون والطلّاب والأهل.  

 

في العدد الثاني من منهجيّات، نفتح هذا الملفّ، ملفّ العودة إلى المدرسة، عودة تشوبها مشاعر مختلفة من القلق والحذر والترقّب والحماس. في الملفّ، تأمّلات وتساؤلات استشرافيّة من أجل عودة سليمة موجّهة، وشرح عن إجراءات وقائيّة واجبٌ اتخاذها في المدارس، إضافة إلى إجراءات لتنظيم عملية التعلّم. كيف يتعامل المعلّم مع القلق الذي سيصحب بعض الطلّاب؟ توصيات حول تقديم الدعم النفسيّ للطلّاب ومساعدتهم في التعبيرعن قلقهم، وشرح عن التغيّرات على بيئة الروضة وكيفيّة التعامل معها. أليس ضروريًّا تطوير بعض الأدوات لتتماشى مع السياق الجديد؟ في مقالات الملفّ، شرح لتطوير استراتيجيّة الصفّ المقلوب لتنظيم عمليّة التعليم الإلكترونيّ، وبحث في بعض الشروط البيداغوجيّة لتجويد التعليم عن بعد. ولكن، هل ستتغيّر المدرسة وقيمها؟ تصوّر استشرافيّ لمدرسة ما بعد الوباء في ختام الملفّ. ما الذي ينتظرنا في المدارس وما الذي نحمله معنا من مرحلة ما قبل الأزمة؟ مقالات متنوّعة في مواضيعها وسياقاتها تعطي المعلّم بُعدًا إضافيًّا للتخطيط والتأمّل. في هذا العدد بحث إجرائيّ حول استراتيجيّتين للتعلّم القائم على عمل الدّماغ لتنمية مهارات الطلّاب في المرحلة الابتدائيّة، رهانات تدريس الفلسفة، ثم عرض لأدوات لتطويع عناصر المنهج الدراسيّ للغة العربيّة. وأخيرًا، قصص عمليّة من بيئة متعدّدة الثقافات لإلهام المعلّمين. أدوات وقراءات للتأمّل والحوار والنقد، جزء من مسؤوليّتنا المشتركة.

 

رئيس التحرير