شاركهم الكتابة.. كيف تدعم كتابات المعلّم مهارات الكتابة الإبداعيّة لدى الطلبة؟
عندما يعود كثير من المعلّمين بذاكرتهم إلى الوراء، يكتشفون أنّ آخر كتاباتهم كانت في الجامعة عندما كان الأساتذة الجامعيّون يطلبون منهم بحثًا في موضوع معيّن، أو ورقة عمل بحثيّة، أو دراسة قصيرة تدعم المادّة الّتي يدرسونها، أو يتطوّع الطالب بنفسه لتقديم مادّة
شاركهم الكتابة.. كيف تدعم كتابات المعلّم مهارات الكتابة الإبداعيّة لدى الطلبة؟
عندما يعود كثير من المعلّمين بذاكرتهم إلى الوراء، يكتشفون أنّ آخر كتاباتهم كانت في الجامعة عندما كان الأساتذة الجامعيّون يطلبون منهم بحثًا في موضوع معيّن، أو ورقة عمل بحثيّة، أو دراسة قصيرة تدعم المادّة الّتي يدرسونها، أو يتطوّع الطالب بنفسه لتقديم مادّة
محمّد تيسير الزعبي | خبير مناهج اللغة العربيّة وأساليب تدريسها، ومصمم برامج تدريبيّة - الأردن

عندما يعود كثير من المعلّمين بذاكرتهم إلى الوراء، يكتشفون أنّ آخر كتاباتهم كانت في الجامعة عندما كان الأساتذة الجامعيّون يطلبون منهم بحثًا في موضوع معيّن، أو ورقة عمل بحثيّة، أو دراسة قصيرة تدعم المادّة الّتي يدرسونها، أو يتطوّع الطالب بنفسه لتقديم مادّة مكتوبة أملًا في رفع علامته في مادّة قصّر فيها، أو يخشى أن تؤثّر علامتها المنخفضة في معدّله العامّ. وما بعدها كان أقرب للملاحظات على هوامش ندوة أو محاضرة أو اجتماع، أو تعليق على أحد مواقع التواصل الاجتماعيّ، أو إبداء رأي قصير في منشور أثار إعجابنا أو حفيظتنا.

قليلون ممّن دخلوا قطاع التعليم كتبوا بعد هذه المرحلة بهدف دعم تعلّم طلبتهم فيما يتعلّق بالكتابة الإبداعيّة، أي كتابة القصّة القصيرة أو المقال أو النصوص أو الخاطرة أو حتّى الكتابة الرسميّة، بل وقد يكون الأمر كارثيًّا أكثر ممّا نتوقّع عندما نتذكّر أنّ في كلّ مدرسة تقريبًا معلّم متخصّص في كتابة الكتب الرسميّة والمخاطبات الرسميّة يلجأ إليه أغلب المعلّمين عندما يريدون رفع كتاب يتضمّن مطالبةً ما، أو تظلّمًا يريدون إيصاله إلى المسؤولين. ما سنناقشه في هذا المقال هو: كيف تسهم كتابات المعلّم في تطوير تعلّم طلّابه مهارات الكتابة الإبداعيّة، ليصبحوا قادرين على إنتاج نصوص وكتابات تتّصف بسمات نوع أدبيّ محدّد، كتابات مفهومة واضحة يستطيع القارئ الخروج بفائدة منها.

دخلنا الغرف الصفيّة، فوجد المعلّم نفسه أمام إشكاليّة حقيقيّة، هي فقر أدواته في حصّة التعبير أو الإنشاء، بمعنى أنّ المعلّم يقرأ لطلبته الموجود في الكتاب المنهجيّ، ثمّ يمنح طلبته ما تبقّى من وقت الحصّة ليكتبوا ما لديهم دون أن يرَوْا نموذجًا حقيقيًّا من كتابات معلّمهم الخاصّة يعلّمهم به أصول الكتابة الإبداعيّة ضمن نوع أدبيّ محدّد، بل وإنّ تجوّله بينهم يغلب عليه التدقيق اللغويّ والتأكّد من القواعد الّتي تعلّموها، أكثر من دعم الأفكار والمضمون، ونقاشهم، ودفعهم إلى كتابة مزيد من الأفكار بتراكيب مترابطة متناسقة.

التركيز على تنمية مهارات الطلبة في جزئيّة الكتابة الإبداعيّة سينعكس بالضرورة في كتاباتهم في المجالات الأخرى، في الواجبات وأوراق العمل والاختبارات، وحتّى على وسائل التواصل الاجتماعيّ. وفي جانب آخر، فإنّ هذا الأمر سيطوّر مهارات الطلبة في التحاور والتفكير الناقد واتّخاذ الرأي المستند إلى دليل، لأنّ هذه المهارات متّصلة بصورة وثيقة بمهارة الكتابة. فالكتابات العشوائيّة غير المترابطة من حيث المضمون أو الصياغة اللغويّة تزعج معظم الناس، لا المعلّمين فقط.

 

أساليب التدريس الّتي يتبعها المعلّمون في حصصهم الصفّيّة كثيرة متنوّعة، لكنّها تلتقي جميعًا في نهايتها عند الكتابة، بمعنى أنّ المعلّم يتأكّد من فهم طلبته ومن فعاليّة الأساليب الّتي استخدمها بتلقّي استجابة كتابيّة من طلبته تتمثّل في الاختبار، أو في كتابة واجب في الدفاتر، أو كتابة بحث قصير، أو حلّ ورقة عمل. يمكن للمعلّم التأكّد أيضًا من فهم الطلبة وفعاليّة طرائق تدريسه عن طريق قياس أداء الطلبة، والاستماع لمناقشاتهم ومداخلاتهم أثناء الحصص، ويخصّص لها جزءًا من العلامة، لكن يبقى للاختبار الكتابيّ الأهمّيّة الأولى، والجزء الأكبر من العلامة.

عندما يبدأ المعلّم تصحيح اختبارات الطلبة الكتابيّة، أو مواضيع التعبير الّتي كتبوها، أو أيّ مهمّة كتابيّة ينفّذها الطلبة حتّى لو كانت للقراءة في الإذاعة المدرسيّة، أو لتعليقها في لوحة في ممرّات المدرسة أو داخل الصفّ، أو للمشاركة في مسابقات أدبيّة في موادّ مختلفة لا تقتصر على اللغة العربيّة، تبدأ معاناة المعلّم من سوء استجابات الطلبة الكتابيّة، وتدنّي مستوى جودة كتاباتهم، الأمر الّذي يدفعه لإعادة النظر في أساليب تدريسه، ولماذا جاءت استجابات الطلبة الكتابيّة بهذا المستوى المتدنّي، وقد يخطر بباله كثير من المبرّرات لهذه الحالة، لكنّه يغفل جانبًا مهمًّا يتمثّل في كون الطلبة لم يروا المعلّم يكتب، ولم يروا نموذجًا حقيقيًّا أمامهم يمكنهم الاقتداء به والسير على نهجه، أو معرفة كيف خرج هذا النموذج الحقيقيّ من ذهن صاحبه، أو ما الخطوات الّتي مرّ بها المعلّم حتّى أبرز هذا النصّ الكتابيّ الإبداعيّ.

هذا الأمر يعود إلى ما ذكرناه في بداية المقال من كون أغلب المعلّمين لم يكتبوا بالمعنى الحقيقيّ للكتابة بعد تخرّجهم في الجامعة، وبعدما أصبحوا في الغرف الصفّيّة افتقدت طرائق تدريسهم للكتابة الإبداعيّة الّتي تعزّز تعلّم طلبتهم، إذ تسهم كتابات المعلّم في منح الطلبة فرصةً ثمينةً للتعلّم عندما يرون نموذجًا حقيقيًّا أمامهم يمكنهم محاكاته. رؤية الطلبة نموذجًا حقيقيًّا كتبه المعلّم تتوفّر فيه شروط النوع الأدبيّ، وسماته الفنّيّة، يتيح لهم الاقتداء بفعله، والاحتذاء به من الناحية التقنيّة، ومقارنة محتوى نصوصهم الّتي سيبدعونها بنصّه.

 

أقترح فيما يأتي بعض الاستراتيجيّات الّتي يستخدمها المعلّم لتطوير هذه المهارة لدى الطلّاب:

- تخصيص وقت للكتابة: من المفيد تخصيص جزء من حصّة التعبير أو الإنشاء الأسبوعيّة للكتابة، ويلتزم المعلّم بهذا الوقت التزامًا حرفيًّا، فلا يفرّط فيه لصالح مهمّة أخرى. في هذا الوقت، يكتب المعلّم كما يكتب الطلبة تمامًا، ثمّ تعلّق الكتابات على لوحة خاصّة في الغرفة الصفّيّة ليطلع الطلبة عليها، ويبدوا رأيهم بها، وسيكون من الجميل إطلاق اسم على لوحة الكتابات يثير اهتمام الطلبة ويرفع دافعيّتهم لكتابة مزيد من الأفكار.

 

- الكتابة في موضوع محدّد: في الوقت المخصّص للكتابة، سيكون مفيدًا لو اتّفق المعلّم مع طلبته على الكتابة في موضوع محدّد، كأن يكتب الطلبة ومعلّمهم مقالًا معرفيًّا عن حماية الأرض من التلوّث، أو قصّة قصيرة عن أجمل مكان زاروه في الصفّ التاسع. في الأحوال كلّها، ومهما اختلف النوع الأدبيّ الّذي سيكتبون فيه، فليكن من الأفكار ذات العلاقة بواقع الطلبة اليوميّ، كإبداء الرأي في سلوك ما، أو قضيّة أثّرت في الرأي العامّ مثل حادث سير مرعب أو إنجاز علميّ مهمّ، وهذا الأمر لا يتعارض مع تخصيص أسبوع في الشهر يكتب الطالب فيه أهمّ شيء يحبّ إخبار الآخرين به، ويعلّقه في المكان المخصّص.

 

- المعلومات والمعارف: يبرّر كثير من المعلّمين تدنّي جودة كتابات طلبتهم بقلّة المعارف الّتي يمتلكونها، وهذا الأمر يلقي على عاتق المعلّمين مسؤوليّةً أساسيّةً، هي رفد معارف الطلبة بالمعلومات الّتي يستدعونها عند الكتابة الإبداعيّة في مجال المقال المعرفيّ، لذلك عندما ينمذج المعلّم كتابته لمقال معرفيّ فيه معلومات علميّة عن الأسماك مثلًا، أو شجرة الزيتون، أو تاريخ الطباعة، ثمّ يعرض نموذجه أمامهم، ويخبرهم كيف حصل على المعلومات الواردة فيه، ولا يكتفي بعرض الخطوات التقنيّة لكتابة المقال حسب نوعه، بل يخبرهم كيف حصل على المعلومات، وما المصادر والمواقع الّتي استخدمها وكيف رتّبها ونظّمها ليحصل على مقال معرفيّ مليء بالمعلومات والمعارف. سيكون من المفيد تخصيص لوحات في ممرّات المدرسة من إعداد الطلبة في حصص التربية الفنّيّة أو المهنيّة، أو في البيوت، تتضمّن معلومات ومعارف يستفاد منها في الكتابة. إعداد هذه اللوحات يكون بإشراف المعلّمين لضمان صدقيّتها وصحّتها، وبتوجيه الطلبة إلى قراءات معيّنة يعرف المعلّمون فائدتها، أو يمكن للمعلّمين تقديم اقتراحات للمكتبة بشراء مجموعة من الكتب النوعيّة الّتي تفيد الطلبة وتثير اهتمامهم.

 

- الاستماع: يحبّ الطلبة أن يستمع الآخرون لهم، والمعلّمون كذلك يقولون كثيرًا من الكلمات الّتي يجب أن يسمعها الطلبة، لذلك سيكون من النافع أن نستمع للطلبة كما نريد منهم الاستماع لنا. إنّ تخصيص وقت للاستماع لمّا كتبه الطلبة سيكون دافعًا لهم لكتابة مزيد من الأفكار، إذ يخصّص المعلّم وقتًا لحوارات الطلبة وهنا يحقّق فائدةً مضاعفةً عندما يوظّف استراتيجيّات التعلّم في حصّته.

 

إنّ نسبة تحقيق هذه الأفكار قد لا تكون مرضيّةً للمعلّم في بداية تطبيقها، لكنّ الثبات على تنفيذها، وإدامة استمراريّتها سيصل إلى رضًا مؤكّد، وهذا لأهمّيّتها وأثرها العميق في تحسين كتابات الطلبة الإبداعيّة، وتعميق فهمهم للكتابة ضمن نوع أدبيّ محدّد تتّضح سماته وخصائصه للقارئ، ولأنّها تحقّق نتائج مثمرةً تفرح المعلّمين وأولياء أمر الطلبة، وتنمّي الجوانب الاجتماعيّة والتواصليّة في شخصيّة الطالب، كأن يشارك بفاعليّة في الحوارات، أو يبدي رأيًا مبرّرًا مدعّمًا بالأدلّة أمام أصدقائه أو معلّمه أو أيّ شخص.