تأسّست دار جاسر للفنّ والبحث سنة 2014 مؤسّسةً ثقافيّةً مستقلّةً، تتبنّى نموذجًا تشاركيًّا في التعلّم والإنتاج المعرفيّ. وتتمحور فلسفتها حول تعزيز اللقاءات المجتمعيّة ومفهوم الضيافة، بما يرسّخ دورها مركزًا تجريبيًّا متعدّد التخصّصات، يسعى لدعم التبادل الثقافيّ بين الأفراد والأجيال. وانطلاقًا من رؤيتها باعتبارها منصّة للممارسة والتجريب، تسهم دار جاسر في تطوير مبادرات تعليميّة وثقافيّة وزراعيّة، تهدف إلى خدمة مجتمع بيت لحم والمناطق المجاورة.
تعتمد دار جاسر في عملها على مقاربة تشاركيّة تقوم على إنتاج المعرفة الجماعيّة وتطوير أعمال فنّيّة واجتماعيّة تجريبيّة، مع التركيز على بناء بُنى مستدامة للرعاية والإصلاح المجتمعيّ. وتُعدّ الفضاء الثقافيّ الوحيد في جنوب الضفّة الغربيّة الذي يقوده الفنّانون؛ إذ توفّر برامج إقامة فنّيّة وتعليم فنّيّ للفنّانين الفلسطينيّين والدوليّين على حدٍّ سواء. وتتنوّع مجالات العمل في الدار لتشمل الفنون البصريّة والصوت والسينما وفنون الأداء والرقص والأدب، إضافة إلى أنشطة مرتبطة بالزراعة.
وتضمّ الدار مجتمعًا متنوّعًا من الفنّانين والمزارعين والباحثين والناشطين الثقافيّين، مِمّن يشاركون في مشروعات تعكس تعقيدات الواقع السياسيّ والاجتماعيّ في المنطقة. وتشكّل قيم الأُلفة والعمل الجماعيّ محورًا رئيسًا في تجربة دار جاسر؛ إذ تسهم القيادة الفنّيّة النسويّة في تمكين المشاركين من الانخراط الفعّال في التفكير الناقد، وطرح الأسئلة، وبناء روابط معرفيّة وثقافيّة مع فاعلين محلّيّين ودوليّين في الحقل الثقافيّ.
كما تعمل دار جاسر على تقديم برامج وأنشطة تعليميّة موجّهة للفئات ما قبل المرحلة الجامعيّة، تسعى بها لترسيخ قيم الإبداع والانفتاح الثقافيّ في سنّ مبكّرة.
المشهد الإنسانيّ: تجربة تعليميّة فنّيّة في فضاء تشاركيّ
أطلقت دار جاسر للفنّ والبحث فعّاليّة بعنوان "بيساجيو أومانو"، أي "المشهد الإنسانيّ". وقد أتاحت هذه الفعّاليّة للمشاركين الانخراط في تجربة تعليميّة متعدّدة الحواس، تقوم على التفاعل الجسديّ والسمعيّ والبصريّ ضمن بيئة جماعيّة آمنة ومحفّزة.
تضمّن البرنامج مجموعة من الأنشطة الفنّيّة المتكاملة، منها الرقص الإيقاعيّ والموسيقى والغناء؛ فشُجّع المشاركون على التعبير عن أنفسهم بالحركة والصوت، وعلى استكشاف إمكانيّاتهم الجسديّة والإبداعيّة. كما شكّلت الورش اليوميّة مساحة للتأمّل في العلاقة بين الجسد والمكان، وتوظيف الفنّ وسيلة للتواصل والانتماء وبناء الذاكرة الجماعيّة.
"البحر في الوسط"، وتعزيز التبادل الثقافيّ
نفّذت دار جاسر للفنّ والبحث مشروعًا بعنوان "البحر في الوسط: أصوات وأغاني من البحر الأبيض المتوسّط"، ضمن مبادرة "أرض مشتركة: احتفاليّة عالميّة بالأرض والسيادة على الغذاء". وهو مشروع مدعوم من مركز "أوسون" لحقوق الإنسان، والقنصليّة الإيطاليّة في القدس، وكلّيّة الفنون في بارد، نيويورك. ركّز المشروع على استكشاف التراث الثقافيّ لمنطقة البحر الأبيض المتوسّط بممارسات فنّيّة تفاعليّة، تجمع بين التسجيل الصوتيّ والموسيقى والغناء التقليديّ.
شارك في المشروع أطفال من مخيّم عايدة في بيت لحم؛ حيث أُتيحت لهم الفرصة للإسهام في تسجيلات موسيقيّة وصوتيّة تُعبّر عن تجاربهم وهويّتهم الثقافيّة. وهدف هذا النشاط إلى تعزيز مشاركة الشباب في التعبير الفنّيّ، وإتاحة مساحة للتفاعل بين التراث المحلّيّ والفنون المعاصرة، مع التأكيد على أهمّيّة بناء جسور تواصل بين المجتمعات عن طريق الفنون.
إيقاعات من الشرق
ضمن سلسلة فعّاليّاتها الثقافيّة، نظّمت دار جاسر للفنّ والبحث عرضًا موسيقيًّا بعنوان: "إيقاعات من أجل التفريغ"، شاركت فيه فرقتا نقش والتخت الشرقيّ، بالتعاون مع ملتقى الشباب التراثيّ المقدسيّ. قدّمت الفعّاليّة مزيجًا من المقامات الشرقيّة والأداء الجماعيّ، احتفاءً بالتراث الموسيقيّ العربيّ بروح معاصرة.
جاء هذا النشاط الترويحيّ ضمن برنامج موسّع يهدف إلى التخفيف من الضغوط النفسيّة والاجتماعيّة، خصوصًا في ظلّ الظروف الصعبة التي يمرّ بها المجتمع الفلسطينيّ. يُعنى البرنامج بتقديم الفنون الحيّة في فضاء مفتوح للجمهور المحلّيّ، ويجمع بين الأداء الموسيقيّ التقليديّ والتفاعل المجتمعيّ المباشر؛ إذ تنوّعت المقطوعات المقدّمة بين الكلاسيكيّات الشرقيّة والأنغام المستوحاة من التراث الشعبيّ، والتفاعل الحيّ بين الفنّانين والجمهور الذي شمل طيفًا متنوّعًا من الأهالي والمهتمّين بالفنون من مختلف الأعمار.