تقنيّة المواجهة الذاتيّة وتقنيّة المواجهة مع الآخر
تقنيّة المواجهة الذاتيّة وتقنيّة المواجهة مع الآخر

تُعدّ هذه الأداة من الأدوات الإبداعيّة المبتكرة إنْ طبِّقت بشكلها الصحيح. يقوم المدرّس بتصوير حصّة دراسيّة كاملة يختارها بنفسه، بهدف تمكينه من التأمّل في ممارساته، وتقييم أدائه بهدف تطويره. أمامنا هنا خياران:

  • - الخيار الأوّل هو المواجهة الذاتيّة، وهذا مستوحى من (2015) Laurens ، أي أن يقوم المدرّس، بعد التصوير، بمشاهدة الفيلم بمفرده، والتنبّه إلى نقاطٍ معيّنة يودُّ رصْدها، مثل رصد حركة الصفّ، والانضباط، واسترساله في الكلام، أو نسبة كلامه بالنسبة إلى كلام المتعلّمين، وتحفيزه المتعلّمينَ ودمجه إيّاهم، وإدارته الوقتَ، أو أيّ مجال آخر يشعر أنّه يحتاج إلى تقييم. من المهمّ، والحال هذه، أن يحدّد المدرّس مجالات معيّنة للتنبّه إليها قبل مشاهدة الفيلم، وأن يشاهده بعينٍ فاحصةٍ وناقدةٍ، من دون الادّعاء أنّ كلّ شيء يسير على ما يرام.

 

  • - الخيار الثاني هو المواجهة مع الآخر، وهذا إجراء مستوحى من Clot & Faïta (2000)، أي أن يقوم المدرّس بمشاهدة الفيديو مع أشخاصٍ متخصّصين أكثر كأفرادٍ من الطاقم الأكاديميّ على أن تكون الطريقة كالآتي: يجري عرض الدرس للمرّة الأولى بحضور المدرّس، والطاقم الأكاديميّ. يحدّد المدرّس والمشاهدون أيضًا بعضَ المجالات التي سيتوقّف عندها. وفي أثناء العرض، يعطى المدرّسُ الحقَّ بشرح بعض الأمور، والمشاهدون الحقَّ بتوجيه الأسئلة الاستيضاحيّة، وبعد العرض، يكون الكلام، أوّلًا، للمدرّس، إذْ يُعطى وقتًا للحديث عن درسه واستراتيجيّاته وطرائقه. بعدها، يعطي المشاهدون ملاحظاتهم على شكل أسئلةٍ استيضاحيّة تثير التأمّل والتساؤل لدى المدرّس. ويجب أن تتمحوّر الملاحظات حول نقاطٍ محدّدة في الدرس. كما لا يحقّ للمشاهدين توجيه ملاحظاتٍ سلبيّة. وبعد إدلاء الطاقم الأكاديميّ بملاحظاته، من المهمّ أن يُعطى المدرّسُ مساحةً واسعة للتعقيب، ولشرح ما قدَّمه داخل الصفّ، فهذا الأمر يساعده في التنبّه إلى استراتيجيّاته وأفعاله في الصفّ، والتأمّل أكثر في ممارساته، والأسباب التي دفعته إلى ممارسةٍ ما إيجابيّة كانت أم سلبيّة، ويساعد الآخرين في فهم ما يقوم به داخل الصفّ ضمن السياق الواقعيّ، وبحسب احتياجات الصفّ الفعليّة. وبحسب رغبة المدرّس، قد يتمّ استضافة مدرّسين آخرين للمشاركة في النقاش. يكتب المدرّس تأمّلًا حول اللقاء، يحتوي على الملاحظات، والتغذية الراجعة التي حصل عليها، ونقاط القوّة في الدرس، وحول ما يجب تطويره في المرّة المقبلة. من الضروري، والحال هذه، ألّا يبحث الفريق الأكاديميّ عن ممارسات فعّالة عامّة، فالغرض من هذه التقنيّة هو تطوير ممارسات المدرّس ضمن السياق الفعليّ لصفّه.

 

تُعدّ هذه الأداة انعكاسًا لعمل المدرّس أمام نفسه وأمام المتخصّصين، ولا يمكن لأيّ مدرّس أن يدَّعي أنّ استراتيجيّاته جميعها صحيحة، ولأنّه قد لا يتمكّن في بعض المرّات من تحديد التحدّيات التي تواجهه في الصفّ، فهذه الأداة ستساعده في التعبير عن أسلوبه، والحديث عنه، والتأمّل فيه. مثال على ذلك، مدرّسٌ في المرحلة الثانويّة، كانت تُوجَّه إليه ملاحظات كثيرة على أنّ المدّة الزمنيّة لكلامه في الصفّ أكبر بكثير من المدّة الزمنيّة لكلام تلامذته، ولم يكن مقتنعًا بصحّة ذلك، ولم يتمكّن من تعديل هذه الممارسة. بعد مشاهدته الفيديو الذي صوّره بوجود متخصّصين، أشار المدرّس إلى أنّه، بالفعل، كثير الكلام في الصفّ، وأنّه تنبّه إلى هذه النقطة من خلال مشاهدته نفسه، ووضع هدفًا بتعديل هذه الممارسة وتطويرها. مدرِّسة أخرى في المراحل الابتدائيّة، تنبهّت في أثناء مشاهدة الفيديو إلى أنّ الأسئلة التي توجّهها إلى المتعلّمين مباشَرَة جدًّا، وكأنّها تضع الإجابة في أفواههم، فعملت على معالجة هذه الثغرة لديها. مدرِّس آخر، من خلال المناقشة مع الفريق الأكاديمي، تنبّه أنّه في أثناء العمل على نشاطٍ مع المتعلّمين لا يدمج الجميع، ولا يقدِّم الاهتمام ذاته إلى جميع المتعلّمين، وأنّه يهمل المتعلّم الذي يكون مستواه أقلّ من مستوى النشاط. فجرى الاتّفاق بين الفريق والمدرّس على أنّ هذا الأخير يحتاج إلى دعمٍ في استراتيجيّات تطبيق البيداغوجيا الفارقيّة، لكنّه، على الأقل، بدأ يعي هذا الأمر من خلال الفيديو المصوَّر.

 

قبيسي، رولا. ورسمي، عزيز. وأمهال، يوسف. (2023). المُمارسات المهنيّة للمُدرّسين: بين النظريّة والتطبيق. إصدارات ترشيد التربويّة. ص64-67.