المنهج الخفيّ: أثر السّياسة في مناهج التعليم
المنهج الخفيّ: أثر السّياسة في مناهج التعليم
2021/08/01
أميرة المعلّم | طالبة علوم سياسيّة- اليمن

تنمّي المدارس جزءًا لا يُستهان به من أفكارنا ومعتقداتنا وحتى سلوكياتنا، فهي البيئة والمحطّة الأولى التي يبدأ من خلالها الطالب بالتفاعل مع محيطه ومجتمعه، ولا شكّ أن جميع القيم والمعلومات التي يتلقاها شيئًا فشيئًا خلال سنوات الدراسة، بقصدٍ ومن غير قصد، تحمل رسائل مختلفة الأهداف ولها أبعاد كثيرة ودوافع محدّدة، منها الدّوافع السّياسيّة. 

ويُمكن للمتطّلع على المناهج العربيّة ملاحظة مُختلف التدخّلات والتغييرات الدراسيّة، على سبيل المثال، مُختلف التدخلات التي حصلت خلال فترة الثورات العربيّة في ظلّ صراع الأنظمة العسكريّة مع الإسلام السّياسيّ على مسألة الشرعيّة وصياغة المواطنة أو صياغة نمط مُعيّن من التديّن.

في عام 1968، صاغ فيليب جاكسون في كتابه "الحياة في الفصول الدراسيّة" مصطلح المنهج الخفيّ، الذي يقصد به جميع السلوكيّات ووجهات النظر والقيم الاجتماعيّة والثقافيّة التي تعلّمها المدرسة للطالب بشكلٍ غير مكتوب أو علنيّ. وهُنا مثال توضيحيّ على ذلك، وهو ملاحظة طريقة تعامل الطلبة مع أقرانهم من العرقيّات والأديان المُختلفة، والتي تُبيّن لنا طبيعة المعلومات التي تلقّوها خلال سنوات الدراسة عن مفاهيم العنصريّة والمُساواة وغيرها. 

 

 توفّر المدرسة مصدرًا أساسيًّا للعلوم العلميّة والإنسانيّة، ولكنّها، في الوقت ذاته، تتبع ثلاثة أنواع من المناهج الدراسيّة وهي: العلنيّة، والخفيّة، والمُستبعدة. أمّا العلنيّة فتمثّل كلّ المقرّرات الوزاريّة الرّسميّة، والخفيّة هي القواعد والقناعات التي ترغب الجهات العليا بغرسها في الطلبة منذ صغرهم، وتمثّل أجندات تنعكس في دروس وعِبر وقصائد تُركّز على هذه القواعد والقناعات، وأخيرًا المُستبعدة، وهي التي تُشير إلى المواضيع التي تتجنّب السلطات ذكرها أو عرضها للطالب وتفضّل إخفاءها. 

تُبيّن لنا هذه الأنواع الثلاثة، أنّ الطالب في المدرسة لا يُعرض على مجموعة أفكار ومعلومات مُختلفة، إنّما يتم بطريقة مُباشرة وغير مُباشرة تمرير بعض الأفكار التي تحمل أيدولوجيّات سياسيّة، ويتم، في الوقت نفسه، تعتيم النّظر عن بعض الأمور التي لا تتلاءم والتطلّعات الحكوميّة أو تُهدّد وجودها بشكلٍ أو بآخر. ومن هُنا، نُلاحظ أنّهُ وبجانب دروس العلوم والرياضيّات والجغرافيا، يتعلّم الطلبة أيضًا ممارسة القبول السلبيّ والطاعة والانصياع، بهدف تجميد أفكار الأجيال وقولبتها ضمن أنماط مقبولة وفقًا لمعايير السّياسيّة، وصولًا لخلق جيل شاب غير قادر على التشكيك بما حوله من قضايا محلّيّة أو دوليّة وغير قادر، كذلك، على التأثير الجذريّ. 

تتصادم هُنا الجهود العقليّة والنقد الفاعل من الطلبة بقوانين الإدارة وتعليمات المعلّم التي تُجبره على قبول كلّ ما يسمع أو يُملى عليه دون نقاش أو نقد، فالمدرسة وكوادرها ضمن هذا المجال، تُمثّل رمزًا من رموز السّلطة التي تُشكّل توجّهات الطالب من خلال تزويده وتذكيرهِ دائمًا بلائحة قوانين وضوابط تزرع الخوف في نفسهِ والبرود في عقله، حتى لا يتمكّن من كسر هذه الحواجز الاجتماعيّة، وكذلك، تعويده على الاستسلام لجميع أشكال السلطة الأُخرى دون وجود مساحات تُعمّق مفهوم الرأي والرأي الآخر. 

 

تُعدّ المواد الدينيّة والتاريخيّة والأدبيّة بشكلٍ عام من أكثر المواضيع جدليّة وحساسيّة بالنّسبةِ للدولة، ولذلك يتمّ غالبًا تلقينها للطلبة بأسلوب جامد يبتعد عن فتح مساحات النقاش، ذلك كذلك لاختلاف سرد المواضيع بحسب موقف الدولة. وتبعًا لذلك، يتمّ تعديل وتطوير المناهج لخدمة أجندات سياسيّة معيّنة توجّه الفكرة العام نحو موقف واحد يلائم تطلّعاتها وميولها لمساعدتها على الاستمرار والاستقرار على أساس الرضا الاجتماعيّ النابع من قناعات مزيّفة ومبنيّة على عقيدة احترام الأعراف والأنظمة السائدة. 

 ولطالما كانت العلاقة بين التعليم والسياسة محلّ بحث ودراسة لرصد مظاهر تأثّر النظام التعليميّ بتوجّهات النظام السياسيّ، سواء على مستوى السياسات التعليميّة أو محتوى المناهج الدراسيّة. وقد كشف تحليل مضمون عدد من المقرّرات الدراسيّة في عدد من الدّول عن أنّها تواكب الأيديولوجيا الرسميّة بصورة واضحة، وتركّز على دور الحاكم الفرد، 

فمثلًا في كتاب التربية والأيديولوجيا؛ للدكتور شبل بدران، واحد من أهم خبراء التعليم في الوطن العربيّ، يستعرض هذه القضيّة بالغة الخطورة بشكل واسع وفي أكثر من بعد، ففي دور الحاكم الفرد تعكس سيطرة الرجل، وتميُّز العسكريّين على غيرهم. وأن كتب التاريخ المدرسيّة تركّز على دور الأفراد، لا سيما الحكّام، أكثر من دور الجماهير/ الشعوب، كما أن تدريس التاريخ يطغى عليه سرد الوقائع التاريخيّة، ومن النادر أن يوجد التاريخ الاقتصاديّ والاجتماعيّ والفكريّ. وتُحمِّل الكتب الدراسيّة مسؤوليّة الدفاع عن المجتمع للنظام السياسيّ/ الحكومة وللجيش النظاميّ، مع إغفال دور المقاومة الشعبيّة، ما يؤدّي إلى تكوين الطالب بشكل بعيد عن تحمل المسؤوليّة وعن المشاركة في قضايا مجتمعه، فهو ينتظر القرار والمبادرة من أعلى، كبير العائلة/ ناظر المدرسة/ رئيس الدولة، كي يستجيب له، وهو ما يضمن للنظام السياسيّ الاستقرار.