لانا سلمان، طفلة في الثانية عشرة من عمرها من غزّة، كانت من أفضل طالباتي قبل الحرب. ومؤخّرًا، حين تواصلت لانا لإلقاء التحيّة وطلب الدعم في دراستها، شاركت أيضًا أمنية عميقة بأن يفهم العالم ما يعنيه أن تكون طالبًا في غزّة خلال الحرب. وبموافقتها وموافقة والديها، أنقل قصّتها هنا.
لانا (بالسترة الزرقاء) مع صديقاتها خلال رحلة مدرسيّة في ربيع سنة 2023 (قبل الحرب).
مقدّمة
الكتابة عن رحلة لانا التعليميّة المستمرّة خلال الحرب كانت تذكيرًا عميقًا، ليس فقط بما يواجهه الأطفال من معاناة هائلة، بل أيضًا بما يظهرونه من قوّة استثنائيّة، وصمود مدهش في غزّة. أصواتهم تستحقّ أن تُسمع. ومع ذلك، يبدو من شبه المستحيل، بل ومن غير المناسب أحيانًا، الحديث عن التعليم بينما يكافح الطلاب من أجل البقاء وسط تطهير عرقي وتجويع ممنهج وتهجير قسريّ. في غزّة، الطلّاب مثل لانا، لا يحاولون مجرّد التعلّم، بل يعيشون تحت القصف والجوع والتهجير والخسارات المدمّرة. ومع ذلك، ما زالوا يسألون عن الدروس، ويتواصلون مع معلّميهم، ويتمسّكون بأحلامهم.
صمود هؤلاء الأطفال لا يعني أنّ حياتهم سهلة، بل على العكس، أوضاعهم كارثيّة. وتحويل معاناتهم إلى مادّة مُلهمةٍ قد يجعل العالم ينسى أنّهم ما زالوا يعيشون الألم والخسارة يوميًّا. هذه التدوينة لا تهدف إلى تجميل مأساتهم، بل إلى تذكيرنا بوجوب الإصغاء إليهم بصدق، ورؤية واقعهم كما هو. فعندما يتحدّث أطفال مثل لانا عن التعليم، يطلبون أكثر من مجرّد دعم أكاديميّ، بل يبحثون عن الاستقرار، وعن معنى لحياتهم، وعن حقّهم في تخيّل مستقبل يتجاوز حدود النجاة. أصواتهم ليست أرقامًا أو بيانات، بل هي قصص إنسانيّة يجب أن توجّه كيف نفكر في التعليم، والعدالة، ومسؤوليّتنا المشتركة.
لانا (بالسترة الزرقاء) وأنا خلال نشاط مدرسيّ في سنة 2022.
بداية الحرب
مع بداية الحرب، اعتادت لانا أن تدرس بمفردها، أو على الأقلّ كانت تحاول ذلك. بدأت بمراجعة الدروس التي تعلّمتها في المدرسة قبل اندلاع الحرب. ولكن، عندما وصلت إلى الدروس الجديدة التي لم يسبق أن درستها مع معلّميها، اضطرّت إلى التوقّف. فقد كانت بحاجة إلى الإنترنت لمشاهدة مقاطع فيديو تشرح تلك الدروس، لكنّها لم تكن تملك حينها اتّصالًا بالإنترنت أو كهرباء.
قالت لانا: "كانت المدينة بأكملها تبدو كأنّها مدينة أشباح. كان الناس يخافون من التنقّل، ولم يكن هناك أيّ وسيلة تساعدني على متابعة دراستي".
الالتحاق بمدرسة افتراضيّة
بعد نحو سنة من اندلاع الحرب، سمعت لانا أنّ وزارة التربية والتعليم في الضفّة الغربيّة بدأت بتشغيل مدارس افتراضيّة لطلّاب غزّة. يقود هذه المدارس معلّمون من الضفّة الغربيّة، وتُعقد الحصص المباشرة عبر تطبيق Microsoft Teams منذ تشرين الأوّل/ أكتوبر 2024. تمكّنت عائلة لانا من الاتّصال بالإنترنت عبر شبكات الشوارع، فعادت إلى مقاعد الدراسة من جديد.
لكنّ الالتحاق بهذه المدارس كان تحدّيًا هائلًا بالنسبة إلى لانا. فقد أمضت شهرًا كاملًا تحاول التسجيل، إذ كان الموقع الخاصّ بالتسجيل مزدحمًا جدًّا بالطلّاب الذين يحاولون الانضمام. كما إنّ تطبيق Teams وبطاقات التعلّم كانت كبيرة الحجم بالنسبة إلى مساحة هاتفها، ما أدّى إلى تعطّله باستمرار. وخلال الحصص المباشرة، كان الجو بأغلبه صاخبًا، إذ يتحدّث الطلّاب معًا أو يتركون الميكروفونات مفتوحة. والأصعب من ذلك أنّ الإنترنت كان بطيئًا جدًّا، الأمر الذي جعل الفهم والتفاعل أكثر صعوبة.
تقول لانا: "أنا محظوظة لأنّني أستطيع الدخول أصلًا، لكنّ الاتّصال ينقطع باستمرار، وغالبًا لا يمكن سماع ما يُقال. عانيت كثيرًا في حصص اللغة الإنجليزيّة، لأنّ المعلّمة كانت تتحدّث بالإنجليزيّة فقط، والانقطاعات المتكرّرة جعلت من الصعب عليّ المتابعة".
ومع هذه التحدّيات، واصلت لانا حضور الحصص عبر الإنترنت. فالتعليم بالنسبة إليها ليس مجرّد دروس أو علامات، بل هو مهرب مؤقّت، ولحظة طبيعيّة في عالم مقلوب رأسًا على عقب. تقول: "حين أدرس، أنسى كلّ ما يحدث في الخارج. أنفصل عن محيطي، وأركّز فقط على دراستي مع المجموعات عبر الإنترنت، خصوصًا خلال الحصص المباشرة".
ومع ذلك، تظلّ الحرب حاضرة دائمًا. حتّى عندما تحاول لانا أن تنفصل عن محيطها، يعود هذا المحيط ليفرض نفسه بقوّة. ففي الحصص الافتراضيّة، يوجد أحيانًا طلّاب آخرون من غزّة يسكنون في مناطق مختلفة، وحين تقع الغارات، يسمع الجميع أصوات القصف أثناء الدرس المباشر، ثمّ يعود أحد الطلّاب ليقول إنّ شخصًا ما قد قُتل، أو مبنى قريبًا قد قُصف.
وبعض الطلّاب لا يحضرون الحصص المباشرة من منازلهم أصلًا، بل يقطعون مسافات طويلة بحثًا عن مكان تتوفّر فيه شبكة إنترنت. هؤلاء الطلاب الذين ترسلهم عائلاتهم ليتابعوا تعليمهم لا يملكون كتبًا أو أدوات مدرسيّة أو دفاتر. فقط هواتفهم يحملون، يتّصلون بها من أيّ مكان يجدون فيه الإنترنت. وفي الخلفيّة يُسمع بوضوح صوت الطائرات المسيّرة وهي تحوم في السماء.
تقول لانا: "عندما يحدث القصف وهم بعيدون عن بيوتهم، يمكنك أن تسمعهم يركضون ويصرخون. يضعف الاتّصال سريعًا، ثمّ تختفي أصواتهم، وتبقى لا تعرف إن كانوا ما زالوا أحياء أم لا".
تتذكّر لانا مرّة حدث فيها قصف، وسمع دويّ الانفجار داخل الصفّ الافتراضيّ. انقطع اتّصال الطالب، لكنه عاد بعد بضع دقائق ليخبر أنّ والده استشهد.
مجتمعات التعلّم عبر WhatsApp
عندما أنهت لانا المنهج عبر المدرسة الافتراضيّة في الضفّة الغربيّة، أجرت الامتحانات عبر الإنترنت و"تخرّجت من الصفّ السادس". في ذلك الوقت، بدأت مدرستها الأصليّة التابعة للأونروا، ببرنامج التعلّم الذاتيّ عبر WhatsApp. بالنسبة إلى لانا، شعرت كأنّ الدروس تكرار لكلّ ما درسته منذ بدء رحلتها في التعلّم عبر الإنترنت.
تقول: "مدرستي الأصليّة مع الأونروا بدأت التعليم عبر الإنترنت متأخّرًا جدًّا في رأيي، لم يكن ذلك حتّى كانون الثاني/ يناير 2025. ومع ذلك، أعتقد أنّ ما فعلته مدرستي باستخدام WhatsApp للتعلّم عبر الإنترنت، كان أفضل بكثير من حصص Microsoft Teams المباشرة".
قدّمت الأونروا للطلّاب بطاقات تعلّم ذاتيّ، وتابعتهم بانتظام لتوجيههم لاستكمال الموادّ بأنفسهم. كما خصّصت أوقاتًا للنقاش ولطرح الأسئلة والحصول على التوضيحات، كلّ ذلك عبر WhatsApp، والذي كان مفيدًا بشكل خاصّ لأنّه لا يحتاج إلى اتّصال إنترنت قويّ.
تحدّيات التعليم في هذه الظروف
كانت عائلة لانا داعمة جدًّا لمشاركتها في التعلّم عبر الإنترنت. خلال الحصص المباشرة على Microsoft Teams، كانوا يهيّئون بيئة مناسبة للتعلّم في المنزل من خلال إشغال إخوتها، ما يتيح لها الجلوس براحة، والتركيز ومتابعة المعلّمين أثناء الحصص.
تقول: "أختي وأنا نتشارك الهاتف نفسه للتعلّم. اتّفقنا أن أحضر الصفّ في يوم، وهي تحضره في اليوم التالي. نتناوب على حضور الحصص، وهذا يعني أنّني أفوّت نصف الحصص كلّ أسبوع".
يواجه أصدقاء لانا تحدّيات مماثلة. حاولت إحدى صديقاتها تحميل Microsoft Teams لحضور الدروس، لكنّها لم تستطع؛ إذ كان الهاتف الوحيد في المنزل ولديهم عائلة كبيرة، فتخلّت عن الانضمام إلى المدرسة الافتراضيّة في الضفّة الغربيّة. صديقة أخرى انضمّت إلى حصص Teams متأخّرة جدًّا، حاولت اللحاق بالركب، لكنّها توقّفت في النهاية بسبب الإحباط. أمّا صديقة أخرى فلم يكن لديها هاتف ذكيّ أصلًا، فاضطرّ والداها إلى شراء هاتف مستعمل لها، على الرغم من تكلفته العالية.
بالإضافة إلى ذلك، كانت حصص التعلّم عبر مجموعة WhatsApp التابعة للأونروا، ونقاشات حصص Teams تُعقد في التوقيت نفسه، ما اضطرّ بعض الأصدقاء إلى اختيار واحدة على الأخرى، خصوصًا مع وجود هاتف واحد فقط لثلاثة أو أربعة إخوة. سيكون من الأسهل لو كان لكلّ طفل هاتفه الخاصّ، لكنّ هذا غير ممكن بالنسبة إلى أغلبيّة العائلات.
لا تمتلك لانا إلّا الكتب التي حصلت عليها من المدرسة قبل الحرب، والتي كانت تخصّ الصفّ السادس؛ الصفّ الذي كانت فيه نهاية سنة 2023. والآن، ومع انتقالها المفترض إلى الصفّ السابع، لا تملك كتب هذا الصفّ. أحيانًا، عندما تسمع أنّ مكتبة مفتوحة ويمكنها طباعة نسخ، تذهب لطباعة الدروس من النسخة الإلكترونيّة لكتابها، وتفعل الشيء نفسه لأخواتها. كما يحاولون استعارة الكتب من الجيران، لكنّ هذا لا ينجح دائمًا. وإذا أرسلت شخصًا إلى المكتبة، يجب أن يمشي حوالي 2 كيلومتر إلى وسط المدينة، إذ لا توجد مكتبات مفتوحة في حيّها.
ولا توجد أدوات مدرسيّة متاحة، ودفتر لمادّة واحدة، يدوم حوالي ثلاثة أسابيع، يكلّف حوالي 10 شواكل مقارنة بشيقل واحد قبل الحرب. معظم المكتبات مغلقة، ليس فقط بسبب نقص الأدوات المدرسيّة نتيجة إغلاق الحدود، بل أيضًا بسبب القصف، إذ يخشى أصحاب المحلّات من أنّ فتح محلّاتهم قد يعرّضهم إلى الخطر.
تقول لانا: "أعتبر نفسي محظوظة لأنّني أحيانًا أملك إنترنت وأحيانًا كهرباء. لكنّ العديد من الطلاب لا يملكون ذلك. بعضهم لا يملك الإنترنت، بعضهم لا يملك الكهرباء، وبعضهم يعيش في خيام مع عشرات الأشخاص في ظروف لا إنسانيّة. بعض الطلّاب لا يملكون هواتف ذكيّة على الإطلاق. وآخرون يضطرّون إلى المشي بعيدًا من المنزل، فقط ليجدوا مكانًا يمكنهم الدراسة فيه. كثيرون لا يملكون كتبًا أو لا يستطيعون شراء أدوات مدرسيّة أساسيّة".
عودة قصيرة إلى التعلّم الوجاهيّ
بعد إعلان وقف إطلاق النار، بدأت مدرستها (الأونروا) بإقامة حصص وجاهيّة، وبدأت لانا بحضورها. وبما أنّ التعلّم كان جزئيًّا، التحقت أيضًا بمدرسة أخرى تُسمى سنابل تدعمها منظّمة دوليّة. كان التعلّم وجهًا لوجه تغييرًا مرحّبًا به، لكن لم يكن جميع المعلمين هم معلّمي المدرسة السابقين؛ بعض المعلّمين جاؤوا من مدارس ومناطق أخرى في القطاع، وقد هُجّر بعضهم من الشمال، وآخرون من رفح.
"كنت سعيدة جدًّا جدًّا بالعودة إلى المدرسة بعد وقف إطلاق النار. شعرت الحياة طبيعيّة مرّة أخرى. استطعت رؤية أصدقائي والمعلّمات والمعلّمين، ومغادرة المنزل، والقيام بشيء يبدو نشاطًا عاديًّا لطفل طبيعيّ. بعض الفتيات في صفّي قلن إنّهن خلال التعلّم عبر الإنترنت لم يفهمن شيئًا من البطاقات. كنّ محبطات واستسلمن في النهاية عن التعلّم. لكن بعد إعادة فتح المدرسة، شعرت الفتيات بمزيد من الحافز لأنّ المعلّمين ساعدوهنّ على فهم الموادّ والتعلّم بشكل أفضل".
في البداية، لم يكن لدى لانا وزميلاتها حتّى مكاتب أو طاولات أو كراسي. كُنّ يجلسن على الأرض لحضور الدروس. وفي النهاية، تمكّنت المدرسة من صنع مقاعد لهنّ من بقايا الأخشاب، مع أنّها لا تعرف كيف فعلوا ذلك، خصوصًا مع إغلاق القطاع بشكل كامل.
بعد أسبوعين، انهار وقف إطلاق النار، واستُؤنفت الحرب. ونتيجة لذلك، توقّفت الدراسة وجهًا لوجه بعد أن قصفت القوات الإسرائيليّة المزيد من المدارس، وعادت لانا إلى التعلّم عبر الإنترنت مع الأونروا. حُرقت المقاعد المدرسيّة الجديدة حطبًا للطبخ من قبل العائلات المهجّرة التي كانت تلجأ إلى المدرسة، تمامًا كما حدث خلال الموجة الأولى من الحرب.
مع استمرار التعلّم عبر الإنترنت، وجدت لانا أنّ التعلّم وجهًا لوجه أفضل بكثير. ومع أنّ العديد من أصدقائها واصلوا التعلّم وجهًا لوجه مع مبادرات تعليميّة أخرى خلال الحرب، لم تتمكّن لانا من فعل الشيء نفسه.
تقول: "كنت خائفة جدًّا. لم أكن أريد أن أموت. لقد قصفوا المدارس، وحتّى بالقرب من المدارس كان هناك قصف. انتهت رحلتي في التعليم الوجاهيّ. كنت خائفة جدًّا ولم أرغب بأن أخاطر بحياتي".
الواقع والأمنيات
الآن، المعابر الحدوديّة مغلقة، ولا يصل الغذاء والدواء والوقود إلى غزّة. لم تعد لانا تملك الوصول إلى الكهرباء أو الإنترنت كما كان سابقًا. وبسبب هذه الظروف، أصبحت لديها مسؤوليّات أكبر في المنزل.
"يبدأ يومي بمساعدة الأسرة في المسؤوليّات المنزليّة، مثل تجهيز الطعام، والتنظيف، وصنع الخبز لأنّ جميع المخابز مغلقة. وبحلول الوقت الذي ننتهي فيه من الخبز، تكون الظهيرة قد حلّت. بعد ذلك، أواصل حفظ القرآن. كما أساعد أمّي وأذهب لجلب الماء من البئر. اللوحة الشمسيّة التي كنّا نستخدمها لتوليد الكهرباء لم تعد تعمل، ولا توجد طريقة لإصلاحها أو شراء أخرى جديدة. وفي نهاية اليوم، بالكاد يتبقّى لي وقت للتعلّم".
تحمل لانا، مثل العديد من الطلاب في غزّة، عبء الحرب ليس فقط في حياتها اليوميّة، بل أيضًا في أحلامها ومشاعرها ونظرتها إلى العالم. تعكس تجربتها التأثير النفسيّ العميق للعيش في ظلّ صراعات متكرّرة، إذ يصبح البقاء على قيد الحياة أولويّة على الطموح، ويصبح التعلّم الروتينيّ رفاهيّة. كانت لانا طالبة متحمّسة ولديها أهداف أكاديميّة واضحة، لكنّها الآن تكافح لإيجاد معنى في الامتحانات والواجبات المدرسيّة، حيث تزيل الفوضى المحيطة بها كلّ بنية واستقرار كانت تعرفهما سابقًا.
وسط كلّ ذلك، أمنيتها ليست الحصول على فرص استثنائيّة أو مستقبل مبهر، بل فقط أن تنتهي الحرب، وأن تعود الحياة كما كانت.
تقول: "أتمنّى أن تتوقّف الحرب. ربّما لدى الطلّاب الآخرين أحلام أكبر، وربّما هم أكثر موهبة منّي. لكن بالنسبة إليّ، كلّ ما أريده هو أن تنتهي الحرب. لا أتمنّى شيئًا أفضل حتّى، أريد فقط أن تعود الأمور كما كانت. أريد العودة إلى الحياة التي كانت قبل الحرب. كان لدينا روتين. كنّا نذهب إلى المدرسة. ندرس. ونجري الامتحانات".
"قبل الحرب أتذكّر فترة الامتحانات، كنت أعود إلى المنزل من المدرسة وأدرس وأدرس حتّى وقت النوم. ثمّ في صباح اليوم التالي، أستيقظ مبكّرًا، أراجع مرّة أخرى، وأذهب لأداء الامتحان، وأحقّق نتائج ممتازة. أمّا الآن، خلال التعلّم عبر الإنترنت، حتّى عندما يقولون لنا إنّ هناك امتحانًا، لا أشعر برغبة بالدراسة على الإطلاق. أفتح ملاحظاتي، أستعرضها بسرعة، أغلقها، وهذا كلّ شيء. في اليوم التالي، أقدّم الامتحان بلا حافز حقيقيّ. مهما كانت النتيجة، لا تهمّني. أحلّ الامتحان فقط لأنّني مضطرّة. لم تعد النتائج مهمّة".
***
قصّة لانا ليست مجرّد نافذة على تجربة طالبة واحدة، بل هي مرآة تعكس الصراع الجماعيّ لجيل كامل نشأ تحت الحصار. تحمل كلماتها حزن الطفولة المسلوبة، وإصرار العقول الشابّة التي تكافح للتعلّم وسط الأنقاض، والمقاومة الهادئة لأولئك الذين يختارون الأمل بدل اليأس يومًا بعد يوم. كلماتها تطلب منّا أكثر من مجرّد التعاطف، إنّها تدعونا إلى العمل من أجل حقّ الأطفال الفلسطينيّين في حياة كريمة.
من خلال مشاركة رحلة لانا، نتذكّر أنّ وراء كلّ إحصائيّة طفل يحمل أحلامه ومخاوفه، وصوته الذي يجب أن يُسمع. أمنيتها ليست حلولًا كبيرة، بل كرامة وروتين وفرصة لتشعر بأنّها إنسانة مرّة أخرى. قصّتها تطالبنا بتغيير السرد، من أرقام وتقييمات احتياجات إلى أسماء ووجوه وواقع معيش حقيقيّ. وفقط عندها يمكننا أن نبدأ في فهم ما يجب أن تبدو عليه العدالة، والشفاء، والدعم التعليميّ الحقيقيّ.