التعليم المتمازج في ظلّ جائحة كورونا
التعليم المتمازج في ظلّ جائحة كورونا
2021/04/18
مجد مالك خضر | كاتب ومدوّن- الأُردن

برأيي أنّ التعليم بمفهومهِ الحديث؛ هو بيئة التعلُّم المصمّمة بصورة إبداعيّة وتفاعليّة يصبح فيها الطالب محور العمليّة التعليميّة، ويتمكّن من التعلّم في أيّ مكان وزمان. ومن هُنا يمكن القول إنّ التعليم لم يبقَ مُعتمدًا على فكرة التلقين المباشر للطالب داخل الغرفة الصفّيّة، بل بات أكثر اتساعًا وتطوّرًا؛ إذ صار يشمل مجموعة أدوات ووسائل شاركت في بناء صورة التعلّم المعاصر، وساهمت في تأسيس مرحلةٍ تعليميّةٍ مُتقدّمة، وأكثر مواكبة لتكنولوجيا المعلومات، والذكاء الاصطناعيّ. ومن هذا المنطلق، ظهرت أنماط تعلّم استطاعت أن تتأقلم مع كافة العوامل المؤثّرة في التعليم؛ سواء ضمن نطاق المدرسة أو البيئة الخارجيّة المحيطة فيها، وجعلتهُ أكثر قربًا من متطلّبات العصر الحديث.

أدّت جائحة كورونا التي انتشرت عالميًّا في مطلع سنة 2020 إلى تغيّراتٍ عديدة في الروتين الاجتماعيّ السائد، وفرضت إجراءات وبرتوكولات صحّيّة أصبح من الضروريّ التقيُّد بها، فتعطّلت الأنشطة اليوميّة، وتوقّفت مدّة من الزَّمن، ثم عاد التعافي يظهر تدريجيًّا مع التخوّف من انتكاسات جديدة، وظهور مرحلة وبائيّة ثانية من انتشار فيروس كورونا، وانتقاله لاحقًا إلى أشكال متحوّرة، وقد تأثّر قطاع التعليم بتداعيات هذه الجائحة، إذ كانت مفاجأة غير سارة وصدمة كبيرة لدى المعلّمين والطلّاب، وفرضت الانتقال من التعليم الوجاهيّ داخل المدارس، والاستعاضة عنه بالتعليم الإلكترونيّ (عن بُعد)؛ كوسيلةٍ تعليميّةٍ بديلة ومساندة.

شكّل انتشار جائحة كورونا نقطة الانطلاق نحو تطبيق التعليم المُتمازج، والمعروف أيضًا بالمختلط والمدمج، وقد لا يكون مفهومه واضحًا لدى الطلّاب وأولياء الأمور، ولا يدركه إلّا المتخصّصون بالتعليم، والباحثون في المجالات التربويّة والتعليميّة؛ يُعرّف التعليم المُتمازج بأنّه استراتيجيّة تعلّم قائمة على الجمع بين التعليم المباشر، التقليديّ، في الغرفة الصفّيّة، والتعليم غير المباشر، عن بُعد، عبر شبكة الإنترنت، ويستطيع المعلّم التنويع في أساليب وطرائق التعليم بما يتناسب واستراتيجيّة التعليم المُتمازج، التي تضمن توصيل أفكار الدروس للطلّاب بسهولة ويُسر. لقد مهّدت الظروف الوبائيّة لجائحة كورونا نحو انتشار التعليم المُتمازج؛ بهدف الحفاظ على استمراريّة التعلّم، وتدارك أيّ تبعات مترتّبة على حدوث انتكاسات ناتجة عن فيروس كورونا.

لا يُصنّف التعليم المُتمازج من الأساليب التعليميّة المستحدثة، بل هو أسلوب تعلّم معتاد ومطبّق بأنماط متنوّعة، ومن الأنماط شائعة الاستخدام للتعليم المُتمازج؛ نمط (وجهًا لوجه)، ويعمل فيه المعلّم على توصيل المنهاج إلى الطلاب، عن طريق التدريس المباشر من داخل المدرسة، سواء في غرفة صفّيّة أو مختبر الحاسوب، مع وجود الطلبة في منازلهم، ويكون الربط بينهم قائمًا على وجود أساليب وأدوات مساندة، مثل الحواسيب، ومنصّة تعلّم متخصّصة أو تطبيق تراسل إلكترونيّ، وهكذا تعقد الحصّة بصورةٍ تفاعليّة ومتمازجة، وتجمع بين المعلّمين والطلّاب، وتحقّق المشاركة والتواصل الفعّال بهدف تحقيق النتاجات المطلوبة من الدرس بنجاح.

 

تكمن أهميّة التعليم المُتمازج في ظلّ جائحة كورونا من خلال دوره الأساسيّ في إنشاء تعليم مُستمرّ، ومتأقلم مع جميع التعليمات والإرشادات الصحّيّة التي تدعو إلى الالتزام بكافة معايير السلامة العامّة، فيساهم نمط التعلّم هذا في تعويض الفاقد التعليميّ عند الطلّاب، وتقليل حدوث أي فجوة أثناء الانتقال بين التعليم المدرسيّ والتعلّم عن بُعد، كما يُشارك في تطوير الصورة التقليديّة للتعلّم وينقلها بشكلٍ جديد، وأكثر قدرة على التفاعل مع الطلّاب، بالاعتماد على توظيف الحاسوب والإنترنت وموارد التكنولوجيا في التدريس، كأدوات تدعم مشاركة الطالب، ودمجه مع المحتوى التعليميّ، خاصّةً عندما تُشرح الدروس باستخدام الفيديوهات، والصور، والمؤثّرات البصريّة والسمعيّة، وأيضًا يُراعي الحاجات الفرديّة، عن طريق توفير الطرق والأساليب المتكاملة مع الفروقات النمائيّة، والأدائيّة، والاستنتاجيّة، والتحليليّة لدى الطلّاب.

يرتكّز بناء التعليم المُتمازج على وجود مصادر تعلّم إلكترونيّة داعمة للتكامل بين بيئة الصّفّ التقليديّة والبيئة التعليميّة الافتراضيّة، كما يساهم في إنشاء قنوات اتصال فعّالة بين المعلّمين من جهة والطلّاب من جهة أخرى، ويساعد ذلك على تحقيق النتاجات والأهداف الخاصّة بالدرس، عن طريق الحوار ومناقشة المفردات والمفاهيم المتنوّعة، وغالبًا تشمل مكونات نجاح تحقيق التعليم المُتمازج كُلًا من شبكة الإنترنت والأجهزة الإلكترونيّة، مثل الحواسيب، والحاسوب اللّوحيّ (Tablet)، وجهاز الهاتف الخلويّ الذكيّ، وغيرها.

يواجه تطبيق التعليم المُتمازج في ظلّ جائحة كورونا مجموعة من المعيقات والمشكلات؛ لعلّ أكثرها تأثيرًا نُدرة توفّر متطلّبات التعلّم الإلكترونيّة عند كثير من عائلات الطلّاب، بسبب الأحوال المادّيّة أو عدم القدرة على شراء أجهزة تستطيع التعامل مع منصّات التعلّم، والتواصل المتاحة عبر الإنترنت، وأيضًا تعدّ قلّة خبرة بعض الطلّاب وأولياء الأمور أو بعض المعلّمين في استخدام الموارد والأجهزة الرقميّة من المعيقات الأساسيّة للتعليم المُتمازج، وهكذا يصبح من الصعب تحقيق التفاعل المطلوب بين المعلّمين والطلّاب، سواء أثناء الحصّة أو في وقت لاحق، والذي يحدّ من إمكانيّة توفير التغذية الراجعة المناسبة حول الدروس.

 

توجد الكثير من الحلول المقترحة التي تعالج معيقات تطبيق التعليم المُتمازج بصورته الصحيحة، ومن هذه الحلول إتاحة مختبرات الحاسوب المدرسيّة أو تقديم أجهزة حاسوبيّة على سبيل الإعارة للطلّاب والمُعلّمين، الذي يساعدهم على الدراسة والمشاركة ومتابعة الدروس، والوصول إلى منصّات التعلّم في أي وقت، كما من الضروريّ توفير تدريب يساهم في تمكين المعلّمين، وتعزيز إتقانهم جميع المهارات المتعلّقة بالتعليم المُتمازج، وكيفيّة استخدام وسائله وتطبيقاته، والذي يقلّل من أي صعاب قد تواجههم في التواصل مع الطلاب وتقييمهم وفق استراتيجيات التقويم وأدواته.

يعدّ التعليم المُتمازج من الطرق الممتازة التي طُبّقت لاستمرار التعلّم في ظلّ جائحة كورونا، ومن المؤكّد هو ليس بديلًا عن التعليم داخل المدرسة، ولكن يعتبر أسلوبًا داعمًا للتعلّم المدرسيّ، فيوجّه الطالب للاعتماد على نفسه في الحصول على المعلومات، والبحث عنها؛ من خلال المنصّات التعليميّة على شبكة الإنترنت، فلا يظلُّ دور المعلّم محصورًا في التدريس ضمن إطار الحصّة المدرسيّة التقليديّة، بل يتحوّل إلى توجيه الطالب ودعمه وتقييمه، وتنمية مهارات التفكير لديه، والتواصل معه بشكلٍ دائم؛ ما يعكس صورة واضحة عن مستوى أدائه، ويُحدّد نوعية التقييم الذي يتناسب مع إدراكه لنتاجات الدروس، كما يحافظُ التعليم المُتمازج على حقّ جميع الطلاب في التعلّم مهما كانت الظروف، وفي أيّ مكان وزمان.