التعليم الجديد ما بعد جائحة كورونا.. مبادئ وآداب
التعليم الجديد ما بعد جائحة كورونا.. مبادئ وآداب
2021/02/20
أسماء رمضان مصطفى | مُعلّمة لُغة إنجليزيّة- فلسطين

إنّ مهنة التعليم من أهمّ المهن وأصعبها على الإطلاق، إذ تهتمّ ببناء الإنسان، وصناعة العقول البشريّة المسؤولة لاحقًا عن قيادة المستقبل. قد يصعب على بعض الناس الانضمام إلى كليّات التربية المسؤولة عن تخريج صانعي العقول، لكنّها صدقًا ما تزال المهنة الأجمل رغم التحديات التي يواجهها المعلّم خاصّةً وقت الأزمات. إنّ ما تسبّبت به جائحة كوفيد 19 من كشف الستار عن ضعف البنيّة التحتيّة لدى أنظمة التعليم في غالبيّة دول العالم جعل إعادة النظر في متطلّبات التعليم الإلكترونيّ داخل الفصول الافتراضيّة على رأس أولويّات هذه الأنظمة، إذ شرعت في تدريب كوادر التعليم لديها على أدوات التعليم الرقميّة وإنشاء المحتوى الرقميّ التعليميّ بناءً على أسس علميّة، وأدبيّة، وأخلاقيّة، وإنسانيّة كي يتسنّى لهم إدارة العمليّات التعليميّة لاحقًا داخل الصّفوف الافتراضيّة خلال الطوارئ. نتج عن التجربة العمليّة نتائج منها:

 

المعلّم القدوة

إنّ كلّ ما يصدر عن المعلّم من أقوال وأفعال في بيئة التعلّم الافتراضيّة أمر في غاية الأهمّيّة، إذ يمثّل نموذجًا تعليميًّا يحاكي نمط التعليم في بيئة التعليم الحضوريّة التي تحكمها ضوابط ومعايير عالميّة متّبعة من قبل المعلّمين والمتعلّمين على حدّ سواء. رغم الاتّفاق على أنّ هناك اختلافًا كليًّا في المكان (بيئة التعليم والتعلّم) وطريقة التواصل وطرق العرض وإعداد المحتوى بين البيئتين، وعلى الرغم أيضًا من أنّ كافّة العمليّات التعليميّة التي تتمّ من غير التقاء حضوريّ بين المعلّم والمتعلّم داخل البيئة الافتراضيّة تفتقد ميزة التحكّم بانضباط المتعلّمين مباشرةً؛ إلّا أنّ ذلك لا يعفي المعلّم من اتّباع النظام المتعارف عليه في احترام مواعيد الحضور التي يحدّدها مع الطلّاب وأن يلتزم بشغل اللقاء في علم نافع، وأن يجتهد في إنتاج المحتوى الرقميّ محاكاةً لإعداد وسائله التعليميّة المتعارف عليها داخل بيئة الغرفة الصفّيّة المادّيّة. على سبيل المثال: يبدأ اللقاء في موعده المحدّد بالضبط حيث يمثّل حضور المعلّم لقاءه المباشر مع طلّابه عبر تطبيقات مثل: zoom، hangouts meet، skype نموذجًا مثاليًّا لتلاميذه في الالتزام بالمواعيد المحدّدة لغرس قيمة احترام المواعيد محاكاةً لحضور المعلّم الحصّة الدراسيّة المقرّرة وفق جدول مدرسيّ منظّم.

علاوةً على ذلك؛ إنّ إعداد المحتوى الرقميّ التعليميّ عبر برامج خاصّة لعرضه أمام المتعلّمين للبدء بالتفاعل من خلال مشاركة الشاشة أو إحضار وسيلة حقيقيّة من خلف الكاميرات تعادل إحضار المعلّم كافّة ما يلزمه من أدوات ووسائل لاستخدامها، وتوظيفها في إيصال المعلومات داخل الغرفة الصفّيّة في بيئة التعليم المادّيّة بطريقة سلسة دون تكلّف أو تصنّع، ودون زيادة أو نقصان، إذ يُعدّ عدم التحضير لهذه الخطوة تقصيرًا من المعلّم في كلا الحالتين.

ويمثّل المعلّم قدوةً لطلّابه داخل بيئة التعلّم الإلكترونيّ، لذلك ينبغي عليه اتّباع القواعد المتعارف عليها. أمّا المتعلّم، فيُعطى تعليمات من قبل النظام الإداريّ بما يخصّ الصّفوف الافتراضيّة، وتختلف وفق النظام والمعلّم والمادّة الدراسيّة (المبحث- المساق) والمرحلة العمريّة للمتعلّم. وثمّة مواضع قابلة للتصرّف حسب اجتهاد المعلّمين ما لم يثبت عدم فاعليّتها وصلاحيّتها للتطبيق، وهي تعبّر عن وجهات نظر المعلّمين أصحابها.

 

المعلّم المُبادر

وكانت بعض أنظمة التعليم في العالم قد ألزمت المعلّمين بنشر التعليمات النظاميّة الملزمة للجميع الصادرة عن الإدارة العامة للنظام التعليميّ، وتثبيتها في أعلى منشور داخل الفصل الافتراضيّ، وذلك لتكون مقروءةً من قبل الجميع. ولا يكتفي المعلّم بذلك، بل عليه أن يقوم بتنظيم لقاء بثّ مباشر ترحيبيّ بالطلّاب، ويقوم بتسجيل ذلك اللقاء، ويرفعه، ويشاركه في الفصل الافتراضيّ، وبذلك تكون التعليمات واضحةً معروفةً للجميع بما يخدم مصلحة العمليّة التعليميّة، وتحقيق الأهداف بالشكل المخطّط له عن طريق خطوتين رئيستين:

أولًا: يتمّ إبلاغ الطلّاب وأهاليهم بتعليمات الفصل الافتراضيّ القانونيّة الرسميّة مع بدايّة كلّ عام دراسيّ، كما تحدّدها الهيئات المُختصّة.

ثانيًا: تنشر تعليمات الإدارة العامة لمديري المؤسّسات التربويّة فيما يخص حقوق الطلبة وواجباتهم، وبما في ذلك القواعد التي تتعلّق بالمحافظة على الاحترام المتبادل داخل المؤسّسة التربويّة، وقواعد السلوك. يشمل ذلك منع العنف اللفظيّ، والمنشورات المسيئة للآخرين، كما يشار في ميثاق الأمم المتّحدة لحقوق الطفل، وعلى الصبغة الخاصّة لمختلف المؤسّسات التربويّة على أنواعها، والتشجيع على خلق جوّ من الاحترام المتبادل داخل المدارس سواء كان التعليم فيها وجاهيّ أم إلكترونيّ، ومنع نشر المحتوى الرقميّ غير الخاضع للقوانين المعمول بها تربويًّا محليًّا وعالميًّا، ويتمّ إعلام الطلّاب وأهاليهم بها بالطريقة من قبل المُختصّين بذلك من وزارة التربية أو الهيئات المُختصّة.

 

المعلّم الرقميّ المتمرّس

إنّ إكساب المعلّمين والاختصاصيّين مهارات توظيف المحتوى التعليميّ الرقميّ في عمليّات التعلّم أمر بات في غايّة الأهمّيّة، بحيث يجب أن يتوافق المحتوى الرقميّ التعليميّ مع معايير ISTE، وهي ما يعرف بمعايير الجمعيّة الدوليّة للتكنولوجيّا في التعليم NETS، التي تطوّرت لاحقًا إلى ما يعرف بمعايير دمج التكنولوجيّا في التعليم. وتعدّ الجمعيّة الدوليّة للتكنولوجيّا في التعليم من أهمّ المنظّمات العلميّة غير الربحيّة المهتمّة بتكنولوجيّا التعليم ودمجها في المدارس والمؤسّسات التعليميّة.

وقد لوحظ مؤخّرًا لجوء كثير من المعلّمين إلى ما يسمى "التصميم التعليميّ" (Instructional Design)، لإعداد مادّة تعليميّة تحقّق الأهداف بكفاءة عاليّة. ويقوم هذا التصميم عمومًا على دراسة الاحتياجات التعليميّة للطلّاب، وتحديد الأهداف والوسائل المناسبة لتلبيتها، وأدوات القياس لمدى التعلّم والتغذيّة الراجعة. ومن النماذج المستخدمة في التصميم التعليميّ ADDIE وASSURE وغيرها، والتعلّم الإلكترونيّ ليس استثناءً في هذا الجانب.

إنّ اختيار الوسائل التعليميّة يشكّل تحدّيًا أساسيًّا في التصميم التعليميّ التقليديّ والإلكترونيّ، إلّا أنّه في هذا الأخير أكبر، لا سيما مع الحاجة الماسّة إلى توظيف التعلّم التفاعليّ الذي يزيد انتباه الطلبة بإشراكهم المباشر مساهمين لا متلقّين. وهذا سيزيد من عامل التحفيز وسيحقّق نتائج أفضل. هنا، يجب أن يبذل المعلّم جهدًا معتبرًا لتحديد الوسائل التفاعليّة المناسبة لكلّ هدف؛ فعمليّة إشراك الطلبة الموجودين في أماكن مختلفة، والمحافظة على انتباههم عبر الأجهزة، ليست بالأمر اليسير، لكنّها بالتأكيد ليست مستحيلة.

ويشار إلى أنّ التنوّع في إنتاج المحتوى الرقميّ يتطلّب الاستعانة بالعديد من الأدوات الرقميّة التي تشمل تطبيقات الهواتف الذكيّة الكثيرة ذات العلاقة بالتعليم، ومنصّات التعليم عن بعد المختلفة، وبرامج الحاسوب التي تخدم عمليات إنتاج المحتوى الرقميّ التعليميّ وتطبيقات التلعيب في التعليم، وبرامج مساندة كثيرة أخرى.

 سأتناول معكم المعايير الدوليّة الخاصّة بتوظيف التكنولوجيّا في التعليم، إنتاج المحتوى الرقميّ، للمعلّمين حيث تقع على المؤسّسات التعليميّة مسؤوليّات متعدّدة، من إنتاج المحتوى الرقميّ التعليميّ ومساندة المعلّمين للقيام بذلك حسب ما نشرته ويكيبيديا "دليل المعايير الدوليّة لإنتاج المحتوى الرقميّ في التعليم" بالتفصيل الآتي:

تحديد دور المؤسّسات التعليميّة في توظيف المحتوى التعليميّ الرقميّ:

- أن تنمّي المؤسّسات التعليميّة مهارات المتعلّمين لاستعمال المحتوى.

- أن توظّف المؤسّسات التعليميّة مصادر المعرفة المختلفة لدعم عمليتي التعلّم والتعليم.

- أن تتناسب الفصول والمعامل وغرف الأنشطة مع أعداد المتعلّمين، وخصائصهم لتوظيف المحتوى التعليميّ الرقميّ.

- أن تفعّل المؤسّسات التعليميّة استعمال قاعات التعلّم والتعليم الرقميّ.

- أن توفّر المؤسّسات التعليميّة سرعات مناسبة للشبكة

- توفير الدعم التكنولوجيّ للمحتوى التعليميّ الرقميّ.

- أن تتوفر أدوات الدعم التكنولوجيّ لتحقيق أهداف المحتوى التعليميّ الرقميّ.

- أن تستعمل البرامج الداعمة البسيطة للمتعلّمين.

- أن تراعي أدوات الدعم التكنولوجيّ توفير وقت المتعلّمين.

- أن يتمّ تدريب المتعلّمين على أنظمة التكنولوجيّا المستعملة في التعلّم.

- أن يخصّص وقت كافٍ لتطوير المحتوى التعليميّ الرقميّ.

- توفير المساعدة والتوجيه بشأن محتوى التعليميّ الرقميّ.

- أن تُشرح التعليمات والإرشادات للمتعلّمين.

- أن تكون عبارات المساعدة والإرشاد واضحةً.

- أن تستمرّ عمليّة المساعدة والإرشاد في جميع أجزاء المحتوى الرقميّ.

- أن يظهر للمتعلّم تلميح نصيّ أو صوتيّ أو صوريّ عند حدوث خطأ، أو في حال التحذير.

- أن يُوضّح للمتعلّم الخطأ الذي وقع فيه، وكيفيّة التغلّب عليه.

- أن تُوفّر الاستجابة لتساؤلات المتعلّمين حول أيّ جزء من المحتوى التعليميّ الرقميّ.

 

المعلّم الإنسان

على المُعلّمين السّعي إلى إرساء مبادئ لحقوق الطالب تتمتّع بروح احترام الإنسان مع الحفاظ على احترام الطالب، ومختصر حقوق المتعلّمين المتعارف عليها هي: احترام إنسانيته، ومنحه الحقّ في التعليم، والمشاركة في كافّة الأنشطة التعليميّة داخل بيئة التعليم، وجاهيّة كانت أم إلكترونيّة ، ومنحه الحقّ في التعبير عن رأيه وطرح الأسئلة والاستفسارات والمشاركة في المناقشات الشفويّة والكتابيّة، وكذلك منحه الحقّ في المشاركة في مجموعات المتعلّمين، والمشاركة في الأنشطة اللّاصفّيّة، ومنحه الحقّ في خوض الاختبارات التحصيليّة، وكافّة المهمّات التي يُكلّف بها المتعلّمون. والتشجيع على خلق جوّ من الاحترام المتبادل داخل المؤسّسة التربويّة، مادّيّة أو إلكترونيّة على حدّ سواء.

وفي بيئة التعليم الإلكترونيّة أعتقد أنّ هُناك حقّ يجب أن يُضاف لصالح للمتعلّمين، نظرًا لخصوصيّة النمط، ولأنّ لكلّ طالب بيئةً خاصّةً به في هذا النمط، وهنا يحذّر من الوقوع في الأخطاء الآتية احترامًا لخصوصيّة المتعلّم ومحافظةً على بيئته الخاصّة، وأقترح أن يشمل النّقاط التّالية:

- يُمنع منعًا باتًّا الطلب من المتعلّمين فتح الكاميرات عند لقائهم في بثّ مباشر، ويجب ترك الأمر لرغبتهم، لكلّ أسرة خصوصيّتها، وعلينا كمعلّمين أن نقف عند ذلك، إلّا في حال فتح الطالب الكاميرا من تلقاء نفسه.

- يجب على المعلّمين إشعار المتعلّمين برغبتهم في تسجيل اللقاء المباشر، لكي يتسنّى للمتعلّمين أخذ الاحتياطات اللازمة في إعدادات الكاميرا والصوت وخلافه.

- يمنع منعًا باتًّا التعليق بجميع أحواله، سواءً كان إيجابيًّا أو سلبيًّا، على محيط الطالب الاجتماعيّ، أي منزله، غرفته، محتويات الغرفة، خلفيّة الغرفة التي تظهر على الكاميرا سواءً في بثّ مباشر أو في إنتاج محتوى رقميّ، مهمّة بيتيّة مثلًا، كأن يكون ذلك فيديو.

- يمنع منعًا باتًّا تقييد الطالب بمكان معيّن، أو خلفيّة معينة، أو الاستعانة بوسائل مكلفة عند تكليفه بإنتاج مهمّة بيتيّة، تصوير فيديو مثلًا، وليكن المعلّم ميسّرًا لا معسّرًا في ذلك.