ارسم ما أقول: التعلّم التعاونيّ وتراكيب كيغان
ارسم ما أقول: التعلّم التعاونيّ وتراكيب كيغان
2021/11/27
مجد مالك خضر | كاتب ومدوّن- الأُردن

لا تتوقّف وسائل التعلّم والتعليم عند النمطيّة في التطبيق، واعتماد أسلوب التدريس المباشر فقط، والمُتمثّل بالمعلّم المرسل للمعلومة، والطالب المستقبل لها. مع أن هذا الأسلوب، في حدود وسياقات معيّنة، بات لا يُواكب متطلّبات العصر الحديث، بشكلٍ جديّ، وصار من الضروريّ، تطويره بما يُلائم الصورة المتطوّرة للتعليم، كما أن محتوى التعليم بحاجةٍ إلى تنوّعٍ أساليب التدريس، بهدف استمرار تحفيز الطلّاب، وتشجيعهم على الدراسة.

ومن هذا المنطلق، يجب على المعلّم تطبيق أكثر من أسلوب تدريس خلال الحصّة الدراسيّة الواحدة، بما يساهم في زيادة الفعاليّة بين الطلّاب من جهة، والدرس من جهة أخرى. ولعلّ من أهم أساليب التدريس، التي يحتاجُ المعلّم أن يُطبّقها في الحصّة، هي التعلّم التعاونيّ، لما لهُ من دورٍ مهم في تحقيق النتاجات المطلوبة من الدروس.

 

التعلّم التعاونيّ وتراكيب كيغان

يحتاجُ تطبيق التعلّم التعاونيّ، داخل الغرفة الصفّيّة والمدرسة، إلى استخدام أدوات تعليميّة مساندة، تهدف إلى زيادة كفاءة هذا الأسلوب التعليميّ، ومن أشهر هذه الأدوات، أداة تُعرف باسم "تراكيب كيغان"؛ تُستخدم على نطاقٍ واسع في البيئة التعليميّة الحديثة، خاصّةً مع القفزات المتعاقبة التي شهدها التعليم. وقبل التطرّق للحديث بشكلٍ مفصّلٍ عن التعلّم التعاونيّ وأهدافه، وتراكيب كيغان وأهمّيّتها وأمثلة عليها، لا بُدّ من الإشارة إلى مفهوم كلّ منهما.

يُعرّف التعلّم التعاونيّ بأنه التفاعل بين مجموعة طلاب، يختلفون عن بعضهم في المهارات أو أنماط التفكير، من أجل تحقيق هدف معين. ويُطلق مفهوم التعلّم التعاونيّ على التعليم المبني على المشاركة المتكاملة بين الطلّاب، الموزّعين على عدد من المجموعات داخل الصفّ الواحد، بحيث يُكلّف المعلّم كلّ مجموعة بدراسة وتحليل هدف واحد من أهداف الدرس، ما يساهمُ في شرح جميع الأهداف، لكافّة المجموعات، ولكن بطريقة تعاونيّة تفاعليّة.

ظهرت تراكيب كيغان من خلال أطروحة أطلقها البروفيسور، المتخصّص باستراتيجيّات التعليم، سبنسر كيغان، ووظّفها في بيئة التعلّم التعاونيّ، سيعرض المقال لاحقًا أمثلة عنها، لذلك تُعرّف تراكيب كيغان بأنها مجموعة من استراتيجيّات التعلّم التعاونيّ، والأدوات التي تُستخدم في الغرفة الصفّيّة أو القاعة التدريبيّة أو مكان الدراسة، الهادفة إلى تحقيق المرونة والفاعليّة بين الطلّاب، وتتيح لهم العمل معًا، من أجل البحث عن حلول معضلات معيّنة أو مناقشة قضايا مطروحة، من قِبل المعلّم والمنهاج الدراسيّ.  

تُمثّل تراكيب كيغان واحدة من التجارب التعليميّة التفاعليّة، والتحفيزيّة، والمعرفيّة لدى الطلّاب، إذ يمكن توظيفها في التعامل مع قضايا المناقشة، ومربّعات التفكير، والمشكلات المطروحة داخل الدروس، التي تنمّي لدى الطلّاب مهارات حلّ المشكلات في حياتهم، وتُعزّزُ التعاون بينهم في إيجاد حلول فعّالة لها، عن طريق إدراكها، وتحديد أسبابها والعوامل المساعدة على حلّها بنجاح. من هُنا، قدّم البروفيسور كيغان تراكيبه في التعلّم التعاونيّ.

 

أهداف التعلم التعاونيّ

يهدف التعلّم التعاونيّ، بصفته أسلوب تعلّم تفاعليّ، إلى تحقيق الأهداف الآتية:

1. تنمية مهارات التعاون بين الطلّاب، من خلال توظيف جميع استراتيجيّات التعلّم التعاونيّ بالشكل المطلوب.
2. تحفيز الطلّاب على إظهار مواهبهم وطاقاتهم الإبداعيّة.
3. تعزيز مهارات النقاش والحوار لدى الطلّاب، عن طريق إنشاء حوارات هادفة بينهم، سواء داخل المجموعة الواحدة أو بين المجموعات.
4. توجيه الطلّاب للاعتماد على الذات، في استنتاج المعلومات، وقياسها، وتحليلها، والتأكّد من جودتها، ومدى صحّتها.
5. تنمية الاستقلاليّة وحسّ المسؤوليّة لدى الطلّاب.
6. دعم مهارات اتخاذ القرارات السليمة والصحيحة لدى الطلّاب.
7. بناء جسور من التواصل الحَسن بين الطلّاب، وتنمية احترامهم لاختلاف الآراء والأفكار.
8. زيادة الثقة بالنّفس لدى كلّ طالب.

 

أمثلة على تراكيب كيغان

توجد أمثلة عديدة على تراكيب كيغان، التي يستطيع المعلّم تطبيقها في الحصّة الدراسيّة، إذ تُفيد الطلّاب، وتساعدهم على فهم دروسهم، وتشارك في تنمية شخصيّاتهم وتطويرها، وفيما يلي، بعض من الأمثلة على التراكيب:

1. ابحث عن الشخص المناسب: تركيبٌ يعتمدُ على إعداد كل مجموعة من مجموعات الطلّاب ورقة عمل خاصّة بها، تحتوي على أسئلة أو أفكار، يوزّعها أعضاء المجموعة على المجموعات الأخرى حتّى يجيبوا عليها، ثمّ تقرأ كل مجموعة إجاباتها على الأسئلة، ويجمع المعلّم أو أحد أعضاء الفريق الذي أعدّ ورقة العمل الأوراق، ويُحدّد المجموعات التي أجابت بشكلٍ صحيح، وتشابهت معًا في الإجابة.

يُفيد هذا التركيب في تعزيز مهارات الحوار، والتعبير عن الرأي.

2. تعرّف على الخطأ: أسلوبٌ يطرح المعلّم من خلاله فكرةً أو معلومةً خاطئة، ثم يطلب من كلّ مجموعة اكتشاف الخطأ، ويُساعد ذلك على تحفيز الطلّاب للبحث والاستكشاف، والتفكير الناقد، والتحليل الواعي للمعطيات المطروحة، قبل اتخاذ القرارات، وتقديم النتائج أمام زملائهم من المجموعات الأخرى.

4. مكعّب الأسئلة: استراتيجيّةٌ تعتمدُ على تصميم مكعّب يحتوي كل جانب من جوانبه على نصّ أو سؤال أو صورة، ويلقى المكعّب لكلّ مجموعة، ويطرح عليها السؤال الموجود على الجانب الذي ظهر أمامها، ثم تبدأ المجموعة بالعمل للبحث على إجابات عنه.

5. ارسم ما أقول: تركيبٌ مبنيّ على قوّة الخيال لدى الطلّاب. يطرح المعلم موضوعًا أو فكرة ما، ويُوزّعُ الطلّاب على مجموعات ثنائيّة، يجلس فيها كل طالبين بشكلٍ متقابل، يتخيّل الأوّل شكل الموضوع المطروح من المعلّم، ويرسم الثاني الصورة أو الشكل الذي تخيّله زميله.

يُساعد هذا التركيب على تنمية مهارات عديدة لدى الطلّاب، مثل التعبير، والرسم، وتمثيل المفاهيم بشكل واقعيّ.

 

أهمّيّة تطبيق تراكيب كيغان في التعلم التعاونيّ

تأتي أهمّيّة تطبيق تراكيب كيغان في التعلّم التعاونيّ من خلال دورها في بناء مساحة تعليميّة تُعلّم الطلّاب باستخدام مجموعة استراتيجيّات، تساعدُ المعلّم على الانتقال من التعليم المباشر إلى تطبيق ممارسات فعليّة على أرض الواقع، مُراعية مستويات الذكاء المختلفة لدى الطلّاب. من هُنا، وظّف كيغان جميع هذه العوامل وغيرها لبناء مجموعة نشاطات صمّمها ضمن تراكيبه، وحرص على أن تتوافق وشكل التعلّم التعاونيّ المُطبَّق في المدارس.

تظهرُ، بشكلٍ واضحٍ، النتائج الإيجابيّة لتراكيب كيغان بعد تطبيقها مع الطلّاب، لدورها الخلّاق في تنمية مهارات العمل المشترك والجماعيّ لديهم، ومعالجة النزاعات بينهم، وتعزيز مهارات القيادة والإدارة لدى كلّ منهم، ودعم قدرتهم على التعبير عن آرائهم، ووجهات نظرهم المختلفة، فتُمكّنهم، هذه التراكيب، من زيادة مستوى تحصيلهم الأكاديميّ، وتُحسّنُ من مهاراتهم الاجتماعيّة، سواء في المدرسة أو خارجها.