الطلبة الفلسطينيّون وسؤال الوطن
الطلبة الفلسطينيّون وسؤال الوطن
2024/03/04
محمّد عوض توفيق شبير | باحث أكاديمي وتربوي - فلسطين

مع دخول الحرب على غزّة شهرها الرابع بكلّ أحداثها المؤلمة، وذكرياتها الصعبة، ومشاهدها السوداويّة، تبقى مساحة التفكير في الحيّز الخاصّ بالأطفال والطلبة مفتوحة على مصراعيها من دون حدود تحُدّها، أو قيود تكبح جماحها. إلّا أنّ المساحة الأكبر في هذا الحيّز هي مساحة السؤال، وأعمق هذه الأسئلة هو سؤال الوطن. ثمّة أسئلة كثيرة تُطرح بصورة متكرّرة من هؤلاء الطلبة حول الوطن، وماهيّته، وكينونته، ومن أنا داخل هذا الكيان، وماذا يعني لي الوطن؟

تفاعل الطلبة سريعًا مع المفاهيم الكبيرة التي أفرزتها الحرب، حتّى باتت جزءًا من قاموسهم الحياتيّ. لكنّ المفهوم الذي زعزع مسارات التفكير، وخلخل مجرياته هو الوطن؛ إذ أخذ هذا المفهوم الطلّاب نحو طرح التساؤلات على الذات والآخرين، والتأمّل بصورة وجوديّة عبر ربط الكينونة بالوطن، وسبر أغوار هذا المفهوم لتفكيك رموزه.

وما بين الثابت والمتغيّر في رمزية مفهوم الوطن، انغرست في نفوس الطلبة الفلسطينيّين ماهيّة مفهوم الوطن، المتوشّح بألوان ليست كبقيّة الألوان، حتّى وصل الأمر بهؤلاء الطلبة إلى أن يقولوا إنّنا، نحن الفلسطينيّون، لسنا كالآخرين، فلكلّ الناس وطن يعيشون فيه، إلّا نحن، لنا وطن يعيش فينا!

وما تحتاج إليه الأنظمة التعليميّة من وقت زمنيّ لترسيخ مفهوم الوطن عبر التربية على المواطنة، والتنشئة الوطنيّة لإيصال مفهوم الوطن للأجيال، كان مغايرًا لدى الطلبة الفلسطينيّين: إذ اختصر هؤلاء الطلبة الزمن ليتشرّبوا مفهوم الوطن بصورته النظريّة، وتطبيقاته العمليّة، من خلال المعايشة لهموم هذا الوطن ومعاناته وآلامه.

ومهما كانت الدلالات، والتفسيرات، والمآلات، إلّا أنّ الحرب الراهنة قد رسّخت معنى الوطن في نفوس الطلبة الفلسطينيّين، وفتحت مجالات أوسع للسؤال، حيث كانت الإجابة دومًا بأنّ الوطن هو أنا! وبدون الوطن فلن تكون أنا! فالوطن عمّق نظرة الوجود على هذه الأرض لدى هؤلاء الطلبة.

وعليه، فإنّ سؤال الوطن وما يعنيه من مكوّنات مادّيّة ورمزيّة، رسخ في ذهن الطلّاب الفلسطينيّين عبر السرديّة اليوميّة للأحداث التي يعيشونها بكلّ التفاصيل، الصغيرة والكبيرة، من شهداء، وجرحى، واعتقال، ونزوح، وقصف، وتهجير، وتقرير مصير. كلّ هذا اختزله الطالب الفلسطينيّ في مفهوم الوطن. ومقابل هذا، أصبح الوطن مسألة مبدأ ومعتقد، وأيديولوجيّة يعتنقها الطالب الفلسطينيّ، وباتت جزءًا من ممارسات الطلّاب في كلّ الأوقات.

وفي سياق جدليّة الحقّ والواجب، أصبح الطلّاب يعرفون عبر سؤال الوطن بأنّ هذا الكيان، وهو الوطن، أصبح مناطًا بجملة من الواجبات والحقوق تجاه الوطن.

ومهما كانت مأساويّة الأحداث، وقتامة المشهد، وضبابيّة الاتّجاه، إلّا أنّ الطالب الفلسطينيّ قد وصل إلى استنتاجات جديدة عبر هذا السؤال الكبير الخاصّ بالوطن، أهمّها أنّ الوطن هو الجزء الأهمّ، والرقم الصعب، والمسألة الأولى التي تبدأ من عندها بقيّة المسائل الأخرى، ليقول الطالب الفلسطينيّ: إنّنا، بدون الإجابة على سؤال الوطن، سنبقى تائهين في دروب الحياة الصعبة. ولكنّنا وصلنا إلى حالة يقينيّة لإجابة هذا السؤال، وفهمنا، وتعلّمنا، ماذا يعني لنا الوطن!