أحبّ الغلطات الإملائيّة
أحبّ الغلطات الإملائيّة
تسنيم عوض | معلّمة لغة عربيّة- الأردنّ/قطر

مقدّمة

مع انتهاء الطلّاب من أداء التقييمات التشخيصيّة أوّل العام الدراسيّ في مادّة اللغة العربيّة، التي تشمل: (القراءة، وفهم المقروء، والكتابة)، لاحظت أنّهم يواجهون تحدّيًا في مهارة الكتابة الإملائيّة، والظاهر أنّهم يخلطون بين الفتحة والألف، والضمّة والواو، والكسرة والياء، أي إنّهم يكتبون بهذه الطريقة: (النافيذة، السدسة، الأعشب، الفيراخ، الأيَّم، الأشجاري، يوريد، يفتريسه، أشكركي). اتّضح لدى مراجعة حروف اللغة العربيّة معهم، أنّ الطلّاب يركّزون عند لفظ الحرف بصورة منفصلة على اسم الحرف، لا صوته، وعلى اسم الحركات، لا صوتها. هذا يؤدّي إلى انتفاء قدرة الطالب على الربط بين الشكل والصوت، وهذا ما أدّى إلى وجود هذا التحدّي.

من هنا أتت فكرة هذا المقال، الذي يقدّم أنشطةً متنوّعةً لتعليم الطلبة التفريق في الكتابة بين حروف المدّ الطويل والحركات القصيرة. وهي تلخيص ما جرّبته مع طلّاب الصفّ الثاني الابتدائيّ الفئة العمريّة (8) سنوات، وعددهم (14) طالبًا، لإكسابهم هذه المهارة.  

 

مرحلة التحدّي

لدى اكتشاف هذا الضعف في الإملاء، كان ما يشغل تفكيري كيف أجعل الطلّاب يتجاوزون هذا التحدّي؟ في الوقت نفسه، كنت أريد أن يتجاوزوه بسهولة، دون الشعور بالضغط أو النقص؛ إذ إنّ تعلّم الأطفال في المرحلة الابتدائيّة أمر مهمّ جدًّا، فهي المرحلة المؤسِّسة لمستقبل الطفل التعليميّ التي يتعلّم خلالها المبادئ الأولى، ويحبّ العلم، ويتعلّق به، ويصبح من الشغوفين في التعلّم وزيادة المعرفة، وقد يحدث معه عكس هذا، فيكره العلم، وينفر منه، وهو ما قد يحطّم مستقبله التعليميّ. لذلك، وظّفت مجموعةً من الأنشطة التفاعليّة التي تعتمد على الطلّاب بصورة رئيسة، وتعتمد على الموادّ المحسوسة وشبه المحسوسة. والسبب وراء ذلك أنّ تعلّم الطلّاب بالمحسوسات يحقّق التوازن في شخصيّة الطلّاب، وينمّي الذاكرة والتفكير والإدراك، ويشجّع على الاكتشاف والاستنتاج، ويتيح الفرصة للتعبير عن النفس والأفكار، ويزيد من دافعيّة الطلّاب.

ظهر أيضًا أنّ الطلّاب يتقنون مهارة القراءة جيّدًا، وهي من نقاط قوّتهم. ولأنّ القراءة إحدى أهمّ وسائل التعلّم الإنسانيّ، ولتلازم مهارتي القراءة والكتابة، إذ إنّ القراءة تساعد على إغناء ذاكرة الطالب وتعزّز قدراته في الكتابة والاستماع والحوار، فإنّه حين يرى الكلمات والحروف ويلاحظ تركيب المفردات باستمرار، يصبح من السهل عليه أن يكتب بصورة سليمة. إنّ هذا من أساسيّات تنشئة الفرد المتعلّم مدى الحياة.

 

تلمّس الحلّ

انطلاقًا من فكرة أنّ الاعتماد على نقاط القوّة يساعد في تجاوز نقاط الضعف، وقع الاعتماد على القراءة لتساعدنا في تجاوز نقاط الضعف في كتابة الطلبة. هكذا، بدأنا بتخصيص جداريّة في الصفّ، وجداريّة على موقع إلكترونيّ، تحويان أغلفة الكتب التي نقرأها يوميًّا. وبدأت بنفسي، فوضعت الكتاب الذي كنت أقرؤه.

لفتت الجداريّة انتباه الطلّاب، وشرحت لهم فكرتها، وأخبرتهم عن الكتاب الذي أطالعة الآن، فتحمّسوا كثيرًا. كان الطلّاب كلّ صباح يخبرونني بأسماء القصص التي أتمّوا قراءتها في موقع "اقرأ بالعربيّة"، وكنت بدوري أضيف غلاف القصص في جداريّة الصفّ، وفي الموقع الإلكترونيّ. كانت دافعيّتهم للقراءة تزيد يومًا بعد يوم، وأذكر هنا طالبةً كانت تقرأ قصصًا من مكتبة المنزل، ظلّت تحضرها لكي أقوم بتصوير الغلاف، وألصقه على الجداريّة. كانت عبارتهم الأثيرة: "وأنا أيضًا قرأت هذه القصّة". وبالتزامن مع التركيز على القراءة، بدأنا بالتركيز على الكتابة لنتخطّى نقطة الضعف، وكانت مجموعة الأنشطة التفاعليّة المستخدمة تعتمد على الطلّاب، وتعتمد على الموادّ المحسوسة، وشبه المحسوسة.

 

صمّم ثمّ عبّر بالكتابة

يعتمد النشاط على اختيار مجموعة من المحسوسات الموجودة في البيئة الصفّيّة، يستخدمها الطالب في إنشاء تصميم معيّن وفقًا لخياله، ثمّ يقوم بالتعبير عن التصميم كتابيًّا سواءً بجملة، أو بفقرة، أو بقصّة قصيرة، حسب مستواه.

  • - نختار مجموعةً من الأدوات من داخل الغرفة الصفّيّة.

ملاحظة: كنّا نحتفظ بالأدوات التي نستخدمها في أنشطة الموادّ الدراسيّة (مثل وحدات البحث، اللغة العربيّة، الرياضيّات)، ثمّ نستخدمها في النشاط نفسه.

  • - يأخذ الطالب الأدوات التي تناسب تصميمه من الأدوات المتوفّرة.
  • - يبدأ كلّ طالب بالتصميم وفقًا لمخيّلته. في هذا التصميم لا يوجد تصميم صحيح، وتصميم غير صحيح.
  • - بعد الانتهاء من التصميم، يعبّر كلّ طالب عن تصميمه كتابيًّا إمّا بجملة، أو بفقرة، أو بقصّة حسب مستواه.
  • - في أثناء الكتابة، يأتي دور المعلّمة، أي التأكّد من كتابة الطلّاب إملائيًّا بإعطاء التغذية الراجعة الفوريّة.

ملاحظة: هنا لا نخبر الطالب بموطن الغلطة مباشرةً، بل نطلب منه إعادة قراءة الكلمة، ومقارنة القراءة بالمكتوب إلى أن يكتشف الغلطة ويعدّلها بنفسه.

أبدى الطلّاب حماسًا كبيرًا للنشاط. أتذكّر أنّ الأدوات في أوّل نشاط كانت: أطباقًا ورقيّةً، وأوراق شجر، وملاعق بلاستيكيّة، وألوانًا مائيّة. وظننت أنّهم سيصمّمون داخل الطبق، ثمّ تفاجأت بإمساكهم الأطباق وقصّها. منهم من قصّ الأطراف، ومنهم من قصّ الطبق من المنتصف، ومنهم من قصّه على هيئة فارس. تأكّدت حينها أنّه لا يمكن التنبّؤ بما يجول داخلهم، علينا فقط تحفيزهم ليظهروا ما لديهم.

بعد انتهائهم من التصميم، باشروا بالكتابة. بدأ كلٌّ منهم يكتب قصّة تصميمه. منهم من صمّم قاربًا، وكتب قصّة قاربه. منهم من صمّم شجرة نخيل، وكتب جملة عنها. أتذكّر أيضًا أنّ طالبًا صمّم رجلًا آليًّا. في أثناء كتابتهم، يأتي دوري بالتنقّل بينهم لإعطاء التوجيهات حول التفريق أثناء الكتابة بين الفتحة والألف، وبين الضمّة والواو، والكسرة والياء. كنّا نركّز على التفريق بين لفظ حروف المدّ والحركات. نمدّ الحروف صوتيًّا إلى أقصى ما يمكن مع تمثيل بعض الحركات برفع الأيدي إلى السماء مع الألف، والجريان مثل النهر مع الواو، والنزول إلى وادٍ سحيق مع الياء. كان الطلبة يضحكون من الحركات التي أمثّلها. أمّا الحركات الصوتيّة القصيرة، فمثّلناها بحركة الشفاه فقط.

مع هذه الخطوات، يجب الالتزام بقاعدتين، أوّلًا: إلغاء عامل الوقت، وعدم انتظار النتيجة الفوريّة؛ فالاستمرار على الوتيرة نفسها بالهدوء نفسه هو ما سيصل بك إلى النتيجة التي تسعى إليها. ثانيًا: الحفاظ على هدوء الطلّاب، وعدم إشعارهم بأنّهم تحت ضغط التنفيذ الفوريّ. حافظنا على استمراريّة النشاط طيلة الفصل الدراسيّ الأوّل، وكنّا ننفّذه مرّةً كلّ أسبوعين.

 

تنبّأ بأحداث الدرس

لأنّه كان لا بدّ من ترسيخ التعلّم يوميًّا، وظّفنا أنشطةً متنوّعة بصورة يوميّة. ومنها في مادّة اللغة العربيّة نشاط (تنبّأ بأحداث الدرس)، الذي يجري على الصورة الآتية:

  • - عرض عنوان الدرس وصورته.
  • - ربط الصورة بالمعرفة السابقة. مثال: إذا كانت الصورة عن الألوان، فيشارك الطلّاب المعلومات التي يعرفونها عن الألوان.
  • - ينظر الطالب إلى الصورة ويقرأ العنوان، ثمّ يتنبّأ بأحداث الدرس كتابيًّا، فيبدأ بجملة على نحو: أتوقّع أنّ الدرس سيتحدّث عن كذا وكذا.
  • - يعرض الطلّاب التنبّؤ الخاصّ بهم.
  • - تقرأ المعلّمة الدرس.
  • - يقيّم الطالب التنبّؤ، هل هو قريب أم بعيد؟ من خلال استخدام الوجه الضاحك، أو الوجه الحزين.

ملاحظة: لا يوجد تنبّؤ صحيح وتنبؤ خطأ، بل نقول: تنبؤ قريب من أحداث الدرس، أو تنبّؤ بعيد عن أحداث الدرس، ويجب توضيح معنى التنبّؤ قبل البدء بالنشاط.

في أثناء كتابتهم، كنت أستمرّ بالتنقّل بينهم، وإعطاء التوجيهات حول التفريق بين حروف المدّ والحركات.

 

استكشف ثمّ تأمّل

ضمن وحدات البحث في منهاج البكالوريا الدوليّة، استخدمنا المحسوسات بصورة دائمة وفقًا لموضوع الوحدة، فطبّقنا نشاط (استكشف ثمّ تأمّل) كما يأتي:

  • - توزيع المحسوسات المراد استكشافها على الطلّاب، مثل: (بذور، أزهار، شتلات).
  • - يستكشف الطالب خصائص، أجزاء، مكوّنات هذه المحسوسات.
  • - يشارك المعلّمة استكشافه، وملاحظاته شفويًّا.
  • - يلصق المحسوسات على دفتر الوحدة، بالطريقة التي تتوافق مع خياله.
  • - يكتب تأمّلاته عن هذه المحسوسات.

مثلًا: في وحدة البحث "نتشارك الكوكب"، تحدّثنا عن النباتات، وبدأنا باستكشافها من البذرة حتّى تصبح شجرةً كبيرةً. بدأنا بالبذور، فاستكشف الطلّاب مجموعةً من البذور وفقًا لما يأتي: الشكل، وقابليّة أكلها، ووجود قشرة، وكونها من ذوات الفلقة أو الفلقتين. بعد الاستكشاف عمد الطلّاب إلى إلصاق البذور على دفاترهم وفقًا للطريقة التي تناسب خيالهم، فمنهم من ألصقها على هيئة وجه ضاحك، ومنهم من ألصقها على هيئة وردة، وكتب كلّ طالب تأمّله عن هذه البذور المتنوّعة، وأثناء كتابتهم للتأمّلات، أتنقّل بينهم لأعطي التوجيهات حول الإملاء.

 

تلمّس الأثر

مع نهاية الفصل الأوّل، كنت أرى وعي الطلبة حول الكتابة الإملائيّة السليمة يرتفع. إذا شكّ الطالب بإملاء كلمة ما، كان يتوجّه مباشرةً إلى اللوح يكتبها، ويتأكّد منّي إن كانت صحيحةً أو بحاجة إلى تعديل. لقد أظهروا دافعًا للكتابة بإملاء سليم. من الجدير بالذكر هنا أنّهم تصدّروا موقع (اقرأ بالعربيّة) لمدّة ثلاثة أشهر متتالية بوصفهم أصحاب أعلى نسبة قراءة مقارنةً بغيرهم من صفوف المرحلة الابتدائيّة. تجاوزت الكتابة والقراءة كونهما مهارتين عندهم، لقد باتت الواحدة منهما عادةً نمارسها بشغف وحماس.

مع بداية الفصل الدراسيّ الثاني كان على الطلبة تعلّم سرد القصص، وكتابتها وفقًا لعناصرها وأجزائها، والتعبير عن أحداث القصّة بالرسم، وقد حافظنا على الوتيرة نفسها في الكتابة وتوجيه الملاحظات في حال وجود أيّة غلطات بالاستمرار في توظيف الأنشطة السابقة ضمن الموادّ المختلفة. قلّت الغلطات الإملائيّة بنسبة كبيرة، وزاد وعي الطلبة بضرورة كتابة الكلمات كتابة ًإملائيّةً صحيحةً. استمرّوا بالتوجّه إلى السبّورة للتأكّد من إملاء بعض الكلمات، حتّى إنّ بعض الطلّاب كانوا يتوجّهون إلى زملائهم ليتأكّدوا من إملائهم. شعرت حينها أنّني حصلت على مكافأتي. لا يوجد جائزة في الحياة تضاهي هذه اللحظات. أحببت قصص الطلبة جدًّا، ولا زلت أذكر بعض أسمائها (أحمد والكلب ماكس، النمر الضائع، في بيت جدّي، عمر وعمّار)

 

فكّر وعبّر

لأنّ مدرستنا تعمل بنظام الثلاثة فصول، طرحت على نفسي مع بداية الفصل الدراسيّ الثالث سؤالًا: ما النشاط الجديد الذي سأربطه بمهارة الإملاء؟ كان من الممكن أن أستمرّ بعمل النشاطات السابقة فقط، لكنّني كنت أريد أن أُشعِر الطلّاب بالتجديد والتحفيز، ونستمرّ على الوتيرة نفسها في الحماس والنشاط. خطر لي استخدام بطاقات الصور الجاهزة الملوّنة أو المفرّغة التي تتيح الفرصة لمن يحبّ إضافة لمسته في التلوين، وسمّينا النشاط (اختر، فكّر، عبر كتابيًّا). عند مشاورتهم، اقترح الطلّاب أن نخصّص وقت الصباح لتنفيذ هذا النشاط. وهو كما يأتي:

  • - اختر: يختار الطالب إحدى بطاقات الصور الموجودة.
  • - فكّر: يفكّر الطالب كيف سيعبّر عن بطاقة الصورة.
  • - عبر كتابيًّا: يعبر الطالب عن الصورة بكتابة فقرة، أو قصّة، أو نصّ إجرائيّ.

عندما بدأنا بالتطبيق، اتّضح لي أنّ أخطاء الطلّاب الإملائيّة بدأت بالاختفاء. مع الاستمرار والمثابرة في تنفيذ الأنشطة في الموادّ جميعها، استطعنا تخطّي هذه الأخطاء.

 

تأمّلات شخصيّة

في كثير من الأحيان نواجه تحدّيات في حياتنا العمليّة، أو مسيرتنا العلميّة، أو على المستوى الشخصيّ، وربّما نحتاج إلى أفكار وأساليب وأدوات بسيطة لتجاوز هذا التحدّي. في الوقت نفسه، نحتاج بدايةً أن نعترف بوجود التحدّي، وأن نتقبّله بكلّ مشاعر الراحة والهدوء لكي نستطيع البحث عن نقاط القوّة التي تمكّننا من الانطلاق لتجاوزه. بعد ذلك، من المهمّ التحلّي بالاستمراريّة بكلّ جدّ وانضباط. هكذا، أستطيع تغيير ما أحتاج تغييره، أستطيع تخطّي كلّ التحدّيات، أستطيع أن أترك بصمتي في هذا العالم.

كلّ عام دراسيّ هو بداية جديدة، ورحلة لكلٍّ من الطلّاب والمعلّم. تجد نفسك كلّ عام تتعرّف على طلّاب جدد بوعي جديد، بثقافات ومعرفة جديدة، بمستويات مختلفة من التفكير، وباختلاف طريقة التعلّم، وفي كلّ عام مع نهاية أوّل يوم، أكون أقرب ما يمكن مع هؤلاء الطلّاب، ونبدأ برحلتنا بكلّ سعادة، لأنّ علاقة الطالب بالمعلّم هي الأساس في حبّ الطالب لمادّته الدراسيّة، فكم سمعنا عن طلّاب تفوّقوا في دراستهم بسبب معلّمهم، وكم من الطلّاب تخطّوا كثيرًا من التحدّيات بسبب حبّهم لمعلّمهم. عالم الأطفال عالم نقيّ مليء بالطاقة. إنّ لديهم الكثير لنتعلّمه. فلننظر فقط إلى ما في دواخلهم، ولنحفّزه على الظهور. عند ذلك، سيكون العام الدراسيّ استثنائيًّا عندك كما كان عندي.